هناك روايات عديدة تقول إن أول من بنى قبر الحسين (عليه السلام) هم بنو أسد بعد أن دفنوه وأصحابه وذلك عام (61هـ) (1)، ويستدل على ذلك أن التوابين عندما كانوا يأتون لزيارة قبر الحسين كان هناك قبراً مبنياً شاخصاً كما ذكر ابن طاوس في كتابه (الإقبال): (إنهم ــ أي التوابين ــ أقاموا رسماً لقبر الحسين بتلك البطحاء يكون علماً لأهل الحق. ويدل خبر مجيء التوابين إلى القبر الشريف إنه في ذلك الوقت وهو سنة هلاك يزيد (63 أو 64) كان ظاهراً معروفاً ولا يكون ذلك إلّا ببنائه).
وبقي هذا البناء حتى عام (66هـ/680م) حيث أمر المختار بن أبي عبيدة الثقفي بتشييد بناء ثانٍ على القبر الشريف أوسع منه وبنى قرية صغيرة حوله من الطين وسعف النخيل, وقد وصفت المصادر هذا البناء بأنه يتكوّن من قبة من الآجر بنيت على القبر وبجانبها مسجد له بابان (2).
وبقي هذا البناء قائماً حتى انتهاء الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية التي مرّ على القبر الشريف في عهدها مراحل مختلفة وعديدة حاولت فيها محو آثار القبر وطمس معالمه لكن الله شاء أن يزداد رفعة وسمواً بعد كل محاولة كما قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): (وينصبون بهذا الطف علما لقبر سيد الشهداء لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا، وأمره إلا علوا).
ويعلل الدكتور عبد الجواد الكليدار فترة ــ الهدوء النسبي ــ الذي مرّ على القبر الشريف في العهد الأموي بالقول: (ولعل الفترة التي مضت على القبر المطهر من بعد وقعة الطف إلى أواخر الدولة الأموية كانت أهدأ دور مضى على الحائر لأنهم اكتفوا ــ حسب الظاهر ــ بما اقترفوه نحو صاحب القبر (عليه السلام) من جرائم وآثام فظيعة..) (3)
ولعل رأي الدكتور الكليدار يبدو منطقياً بعض الشيء فالأمويون كفّوا أيديهم عن القبر ليس ورعاً وخشية من الله، بل خوفاً من ثورة الرأي العام ضدهم خاصّة أنهم انشغلوا بإخماد الثورات العلوية وغيرها ضدهم ومنها ثورة زيد بن علي وابنه يحيى الذي زار قبر الحسين مع أصحابه قبل أن يعلن ثورته، ومما يدل على ذلك أنهم أقاموا المسالح والمخافر المدججة بالسلاح لمطاردة الزوار وممارسة أقسى العقوبات بحقهم.
تهديم القبر الشريف على يد المنصور العباسي
بقي بناء القبر شاخصاً حتى قيام الدولة العباسية حيث تشير المصادر إلى أن المنصور العباسي هو أول من هدم قبر الحسين كما يشير إلى ذلك الدكتور عبد الجواد الكليدار, والشيخ محمد السماوي, والسيد صالح الشهرستاني, لكنهم لم يحددوا السنة التي تم فيها هذا الهدم, غير أن الباحث والمحقق الأستاذ يعقوب نعوم سركيس يقول: (إن المنصور هدم قبر الحسين سنة (146هـ).
لكن القبر سرعان ما بُني مرة أخرى في زمن المهدي العباسي سمح للشيعة ببنائه وفسح المجال لهم بزيارته وذلك عام (158هـ) وقد بقي هذا البناء حتى عهد هارون الرشيد....
..........................................................................................
1ــ نزهة أهل الحرمين ص (14)
2ــ تاريخ كربلاء المعلى ص (10)
3ــ تأريخ كربلاء ص (173)
4ــ تأريخ كربلاء ص (174)
5ــ مجالي اللطف ص (39)
6ــ تاريخ النياحة على الإمام الحسين (ج2 ص5)
7ــ صحيفة البديل الإسلامي الدمشقية: (62/8)
اترك تعليق