المرجعية العليا.. التوازن مهم وعلى الغني ان لا ينسى فقره وعلى السياسي ان لا يظلم وينسى كيف كان يخاف من رائحة الظالم

اشار ممثل المرجعية الدينية العليا، في خطبة الجمعة، الى ان الهدف من استعراض الايات القرانية الشريفة يأتي لتسليط الضوء على بعض الحالات التي يمر بها الانسان لايجاد الحلول لها، مستشهدا بالايات الكريمة في سورة فصلت (لَّا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ ۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ).

وقال السيد احمد الصافي في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة من الصحن الحسيني الشريف اليوم الجمعة (22/6/2018)، ان اصل القضية التي تتناولها الايات الشريفة اعلاه تتمثل في ان الانسان يفقد حالة التوازن خصوصا حينما يمر بحالة عسر او يسر، مستدركا ان البعض لا يستفيد كذلك حتى بعد مروره بمثل تلك الحالات بان يعود الى حالة التوزان وانما يبقى دائما مهزوز وقلق مدافعا عن مصلحته الشخصية دفاعا مستميتا حتى وان تأذى من الاخرين.

واضاف ان بعض الشعوب تمر بحصار اقتصادي، فنجد الشخص في ذلك المجتمع يدعو الله ويسعى بكل ما أوتي من قوة حتى ترفع عنه هذه الحالة، فيحاول ان يقنن ويقتصد بعموم مصروفاته، لا يبذر، ويتشارك مع الاخرين للخروج من العسرة الا انه بمجرد ان يفتح الله عليه يرجع الى ما كان قد تعود عليه قبل الحصار مبذراً وتاركاً لجميع التصرفات التي فيها مشاركة مع الغير من المواساة، ويلجأ الى تقديم مصلحة نفسه لانه تمكن، كما في حالات المرض يرجع الانسان الى ربه والى فطرته ويبدأ باعطاء الوعود والايمان وبمجرد ان يمن الله عليه بالشفاء تجده بعد يوم او اكثر يرجع الى الحالة السابقة بل قد يكون اشد، وكذلك نجد البعض يمشي على الارض مرحا بل عندما يمشي لايطيقه احد كأنه اله، واحيانا يتجاوز ويظلم الا انه بمجرد ان يدخل السجن يرجع الى فطرته ويعيد النظر في سلوكه وكذلك يعطي وعود وبمجرد ان يخرج من السجن يبقى فترة ثم يرجع الى ما كان عليه فاقدا لحالة التوزان.

وتابع ان حال التوزان تنفقد عند الانسان لانه لا يقوى على مجابهة حالة الغرور والانفة والتكبر في نفسه، مبينا ان تبدل الاطوار على الانسان وتقلبات الحياة امر نافع وجيد، مستشهدا بحديث السيدة الزهراء عليها السلام الذي ورد في خطبتها (تخافون ان يتخطفكم الطير).

وأكد السيد الصافي على ضروة ان لا ينسى الانسان الماضي، بل عليه ان يقتصد اذا كان غنيا ولا ينسى انه كان فقيرا، وكذلك اذا اصبح سياسيا عليه ان لا يظلم ولاينسى كيف كان مطاردا ويخاف من رائحة الظالم، وكذلك الانسان الذي يمكنه الله تعالى ويجعله في موقع او صف معين عليه ان لا ينسى بان الله الذي اعطى قادر على ان يسلب النعم.

واستدرك ان لابد على الانسان ان يتعظ، مبينا ان الاية الكريمة اعلاه بينت ان الانسان لا يسأم من طلب الخير الا انه بمجرد ان يمسه الشر تجده يئوس قنوط، فاذا كان بخير فيقول ان المصلحة العامة بخير واذا مسه الشر فيقول المصلحة العامة بشر، اي انه لايرى سوى نفسه، مبينا ان رؤية الانسان الى الواقع بعين واحدة تعد من اقبح الامراض.

واوضح ممثل المرجعية الدينية العليا ان هنالك نماذج كثيرة حينما يفتح الله ويفرج عنها من بعد سوء ويأس والم، كما في قوله تعالى (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي )، تجدها تقول كما قال قارون (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي)، مبينا ان الفتح والفرج الذي يحصل بعد الضراء الذي يحصل للبعض يقول عنه في انه حصل نتيجة جهده وذكاءه، مشيرا الى ان هذا القول يأتي من سفاهة الانسان لانه يتصور الامور على غير واقعها.

وقال السيد احمد الصافي ان الانسان دائما بحاجة الى واعظ، مبينا ان البعض يكون الواعظ له نفسه او انه يتعظ من الاخرين وهو امر جيد، الا ان البعض قد نجده لا يتعظ مطلقا لا من نفسه ولا من الاخرين ولا من الاحداث التي يراها فيكون بحاجة الى واعظ ينبهه ويقول له (الهوينا الهوينا، هذه الارض لا تمشي عليها مشية من يرى نفسه اله يعبد، لابد ان تتواضع، وتهدأ، وتعلم بان الايام دول، وان الله يريك، فاذا اصابتك نعمة لابد ان تحافظ عليها وتشكر الله، وان اصبت بسوء فأصبر لعل الله يفتح ويفرج عنك).

واردف ان حالة التوزان مهمة، وان على الانسان اذا انعم الله عليه ومر ببحبوحة من العيش والجاه والسلطة ان لايقول لا علاقة لي بالاخرين ويهتم فقط بنفسه فينأى ويعرض عن الله، كما في قوله تعالى (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ)، الا انه في حال مسه السوء نجده ذو دعاء عريض.

واختتم السيد الصافي خطبته في ان الايات التي وردت اعلاه اشبه بسوط يقرع الانسان به، مؤكدا ان الخطاب ليس موجها للانسان العاقل بل انه موجة للشخصية القلقة والغير متزنة التي لا ترى سوء نفسها ولاتتحسس آلام الاخرين، مؤكدا ضرورة ان تكون رؤية الانسان للدنيا بعين البصيرة وان يكون هادئا عارفا لحدوده ويكون كما خلقه الله تعالى وارداه من ان يكون في الدنيا، وان يبتعد عن حب نفسه فقط ويغلب دائما مصلحته الشخصية على مصالح الاخرين.

ولاء الصفار

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات