أحيا خدمَة العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية مساء يوم أمس الخميس (15رجب 1435هـ) الموافق لـ(15آيار 2014م) ذكرى وفاة عقيلة بني هاشم الحوراء زينب(عليها السلام) بموكب مهيب بمشاركة جمع غفير من زائري مدينة كربلاء المقدسة. حيث انطلق الموكب من صحن كفيل الحوراء زينب (عليها السلام) قاصداً حرم أبي الأحرار الإمام الحسين(عليه السلام) لتقديم التعازي بذكرى شهادة أخته(عليها السلام)، حيث كان باستقبالهم خَدَمَةُ المرقد الشريف ليُقام مجلس عزاء موحّد إحياءً لهذه الفاجعة العظيمة بقصائد حسينية.
وفي سياق متصل شهدت مدينة كربلاء المقدسة توافد كبيرا لمحبي أهل البيت (عليهم السلام) لتقديم التعازي للإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام) بهذه المناسبة الأليمة.
يُذكر أنّ شهادة الحوراء زينب(عليها السلام) كانت في الخامس عشر من شهر رجب مِن سنة 62هجـ.
وإنّ ولادتها(عليها السلام) في السنة الخامسة للهجرة، وفيها عاد رسول الله(صلّى الله عليه وآله) من سفره، وأشرق بيت فاطمة(عليها السلام) بقدومه، واحتضن رسول الله الحفيدة وأسماها "زينب" وكلمة زينب تعني أصل الشجرة الطيبة. وعرفت بالعقيلة أو عقيلة بني هاشم لأنها كريمة قومها وعزيزة بيتها.
وكان أمير المؤمنين(عليه السلام) يردُّ الطالبين لزواجها وعندما تقدّم عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وهو الكُفْءُ لعقيلة بني هاشم الذي لُقّب بـ(بحر الجود) وافق أمير المؤمنين(عليه السلام) على زواجه منها، فأبوه جعفر بن أبي طالب ذو الجناحين وأمُّه أسماء بنت عميس الخثعمية من المهاجرات المؤمنات، معروفة بالتّقى والصلاح والتي عبّر عنها الإمام الصادق(عليه السلام) بالنّجيبة.
وزينب عقيلة بني هاشم، رغم أنها تزوّجت وانتقلت إلى بيت ابن جعفر إلّا أنّها لم تتخلّ عن المسؤولية لتدير بيت أبيها وتهتمّ بشؤون أخويها وتصبح المسؤولة عنهم أوّلاً وآخراً، فقد انتقلت من المدينة المنورة إلى الكوفة المقدسة تبعاً لانتقال مركز الخلافة وكان بمعيّتها زوجها وأولادها لتعيش على مقربة من الإمام بصفتها البنت الكبرى لعلي(عليه السلام) بعد وفاة أمّها فاطمة الزهراء(عليها السلام).
العقيلة زينب(عليها السلام) بحكم مركزها في البيت العلوي تختلف عن باقي النساء، فصُورُ مأساة فَقْدِ جدّها رسول الله(صلّى الله عليه وآله) وأمِّها الزهراء(عليها السلام) ما زالت عالقةً في ذهنها، وقد شاركت بتلك الأحداث ومشاكل الحركات التي ثارت في وجه أبيها التي كان آخرها رؤيتها له صريعاً في محرابه بسيف الشقي بن ملجم، كما قد سمعت وصية أبيها أمير المؤمنين(عليه السلام) بأنّ رسول الله أمره أن يوصي إلى ابنه الإمام الحسن(عليه السلام) بالإمامة وولاية الأمر، ويأمره أن يدفعها لأخيه الحسين(عليه السلام) من بعده ثم لابنه علي بن الحسين(عليه السلام) ثم لابنه محمد بن علي(عليه السلام).. فلم تكن زينب(عليها السلام) بمعزل عن هذه الوصية ووعتها جيداً.
مع الحسين(عليه السلام)
والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ لكم إقرار العبيد.. فهمت زينب(عليها السلام) من خلال كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) وتضحياته، أبعاد الموقف المرتقب ألا وهي تحمّل مسؤولية القضية التي ضحّى من أجلها الإمام الحسين(عليه السلام) في نشر نهضته الجبّارة في وجه الباطل، تلك النهضة التي هي امتداد للرسالة التي جاء بها النبي الأكرم(صلّى الله عليه وآله).
ظهور صفات المعصومين في زينب(سلام الله عليها):
هناك خصوصيات لزينب(عليها السلام) هي نفس خصوصيات فاطمة الزهراء(عليها السلام):
1- الولاية والقدرة التكوينية حيث أشارت بيدها إلى الناس وهي في الكوفة فارتدَّت الأنفاس وسكنت الأجراس وهذا يدلّ على سيطرتها التكوينية على كلِّ شيء.
2- العلم اللدنيّ الذي اكتسبته زينب(عليها السلام) من الإمام الحسين(عليه السلام) وهو علم الإمامة، قال عنها الإمام زين العابدين(عليه السلام): (أنتِ بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة) وقد ظهر ذلك جليّاً في خطبتها العصماء في الكوفة.
والجدير بالذكر أن الزهراء(عليها السلام) أخذت ابنتها زينب إلى المسجد وخطبت الخطبة الفدكية المشهورة وكانت زينب(عليها السلام) آنذاك في السابعة من عمرها، فاستطاعت أن تحفظ الخطبة بأكملها وتنقلها إلى الآخرين حتى تصل إلينا، فلولا اتصالها بالغيب لما استطاعت زينب أن تنقل هذه الخطبة الغراء ذات المحتوى العميق!
وقد استُشهِدَت العقيلة(سلام الله عليها) على أشهر الروايات في يوم الأحد مساء الخامس عشر من شهر رجب مِن سنة 62هجـ، والتحقَت هذه السيدة العظيمة بالرفيق الأعلى، وارتاحت من توالي مصائب الدهر الخؤون ونوائبه.
لقد فارقت هذه الحياة بعد أن سجّلت اسمها بأحرفٍ من نور في سجلّ سيدات النساء الخالدات، فصارت ثاني أعظم سيدة من سيدات البشر، حيث أنّ أمّها السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) هي أوّل أعظم سيّدة من النساء، كما صرّح بذلك أبوها رسول الله(صلّى الله عليه وآله) حيث قال: (وأمّا ابنتي فاطمة.. فهي سيدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين).
ويُقيم الموالون لأهل البيت(عليهم السلام) مجالس العزاء والمآتم في كلّ سنة، حينما تمرّ عليهم هذه الذكرى الأليمة، ويتحدّث الخطباء والشعراء في تلك المجالس والمآتم عن الجوانب المختلفة لحياة هذه السيدة العظيمة، وعن فصول حياتها المزدحمة بالفضائل والمكرُمات، والمقرونة بالمصائب والنوائب.
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق