هل هناك قراءة شيعية معتمدة للقران الكريم؟

عندما نستقصي القراءات المشهورة  للقرآن الكريم نجد أن هناكَ قراءتانِ مُعتمدتانِ عندَ مدرسةِ أهل البيت عليهم السّلام، إحداها : قراءةُ أبيّ بن كعب، والدّليلُ على ذلكَ ما رواهُ ثقةُ الإسلامِ الشّيخُ الكُلينيّ في كتابه الكافي (ج4/ص674) عن مُحَمَّدُ بنُ يَحيَى عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ عَن عَلِيِّ بنِ الحَكَمِ عَن عَبدِ اللَّه بنِ فَرقَدٍ والمُعَلَّى بنِ خُنَيسٍ قَالا كُنَّا عِندَ أَبِي عَبدِ اللَّه ع ومَعَنَا رَبِيعَةُ الرَّأيِ فَذَكَرنَا فَضلَ القُرآنِ فَقَالَ أَبُو عَبدِ اللَّه ع إِن كَانَ ابنُ مَسعُودٍ لَا يَقرَأُ عَلَى قِرَاءَتِنَا فَهُوَ ضَالٌّ فَقَالَ رَبِيعَةُ ضَالٌّ فَقَالَ نَعَم ضَالٌّ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبدِ اللَّه ع أَمَّا نَحنُ فَنَقرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ أُبَيٍّ.

والقراءةُ الثّانية: قراءةُ حفصٍ بنِ سُليمان عَن عاصمٍ بن أبي النّجودِ عَن أبي عبدِ الرّحمن السّلميّ عَن أمير المؤمنينَ عليه السّلام، وهي إحدى القراءاتِ السّبع المشهورةِ بينَ العامّةِ والخاصّة.

وأمّا الشقّ الثّاني منَ السّؤال: فنقولُ: تجوزُ القراءةُ بإحدى القراءاتِ السّبعِ المَشهورةِ التي منها قراءةُ أبي عمرو البصريّ، غايةُ ما في الأمرِ أنّ علماءَ الإماميّةِ نبّهوا على أنّ القرآنَ العظيمَ نزلَ بحرفٍ واحدٍ، لا على سبعةِ أحرفٍ كما هوَ مشهورٌ بينَ علماءِ الجمهور، إذ يقولُ الشّيخُ الطّوسيّ قدّس في تفسيرِه التبيان: إعلموا أنّ العُرفَ في مذهبِ أصحابنا والشائعَ مِن أخبارِهم ورواياتِهم أنّ القُرآنَ نزلَ بحرفٍ واحدٍ على نبيٍّ واحدٍ، غيرَ أنّهم أجمعوا على جوازِ القراءةِ بما يتداولُه القرّاءُ، وأنّ الإنسانَ مخيّرٌ بأيّ قراءةٍ شاءَ وقرأ، وكرهوا تجريدَ قراءةٍ بعينِها.

وبمثلِه صرّحَ أمينُ الإسلامِ الشّيخ أبو عليّ الطّبرسيّ في مقدّمةِ تفسيرِه مجمعِ البيانِ بقولِه : الظّاهرُ مِن مذهبِ الإماميّةِ أنّهم أجمعوا على جوازِ القراءةِ بما يتداوله القُرّاءُ بينَهم منَ القراءاتِ إلّا أنّهم إختاروا القراءةَ بما جاز بينَ القُرّاءِ وكرهوا تجريدَ قراءةٍ مُنفردةٍ، والشّائعُ في أخبارِهم أنّ القُرآنَ نزلَ بحرفٍ واحدٍ.

وفي كتابِ (تحريرِ الأحكام) (ج1/ص245) للعلّامةِ الحلّيّ عندَ كلامِه على القراءةِ قالَ: السّادسُ عشر : يجبُ أن يقرأ بالمتواترِ، فلو قرأ بمصحفِ إبن مسعود بطلَت صلاتُه . وفي كتابِ جواهرِ الكلامِ للجواهريّ (ج9/ص293)، قالَ: فالمُعتبَرُ حينئذٍ القراءاتُ السّبعُ أو العشر ، وظاهرُ الأصحابِ بَل هوَ صريحُ البعضِ التخييرُ بينَ جميعِ القراءاتِ، نعم يظهرُ مِن بعضِ الأخبارِ ترجيحُ قراءةِ أُبيّ [يعني أُبيّ بنِ كعب].

وأمّا الشقُّ الثّالثُ والرّابعُ منَ السّؤال فقد تبيّنَ مِـمّا تقدّم، أضِف إلى ذلكَ أنّ بعضَ رجالِ أسانيدِ القراءةِ الثّانيةِ هُم منَ الشّيعةِ المعروفينَ كحفصٍ بنِ سُليمان الذي هوَ مِن أصحابِ الصّادقِ والكاظمِ عليهما السّلام كما في رجالِ الشّيخِ الطّوسيّ قدّس. (ينظُر نقدُ الرّجالِ للسّيّدِ التفريشيّ ج2/ص131). وأبو عبدِ الرّحمنِ السّلميّ هوَ عبدُ اللهِ بنُ حبيب مِن خواصّ أميرِ المُؤمنينَ عليه السّلام كما نصّ على ذلكَ البرقيّ. (ينظر نقدُ الرّجالِ للتفريشيّ). وعلاوةً على ذلكَ، وردَ في مُقدّمةِ مجمعِ البيانِ للطّبرسيّ (ج1/ص37) ما يشفي الغليلَ في هذا الموضوعِ، إذ بيّنَ أنّ هناكَ عدداً منَ الرّواةِ الشّيعةِ المَعروفينَ كانت لهُم قراءةٌ معروفةٌ أمثالَ حمرانَ بنِ أعين وحمزةَ الزيّات وأبانَ بنِ تغلب وأبي الأسودِ الدّؤليّ. إذ قالَ في معرضِ تِعدادِ القُرّاءِ: وأمّا حمزة : فقرأ على جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ، وقرأ أيضا على الأعمش سليمانُ بنُ مهران ، وقرأ الأعمشُ على يحيى بن وثّاب ، وهو قرأ على علقمةَ ، ومسروق ، والأسودِ بنِ يزيد ، وقرأوا على عبدِ الله بنِ مسعود . وقرأ حمزةُ على حمران بنِ أعين أيضاً، وهو قرأ على أبي الأسودِ الدّؤلي، وهو قرأ على عليٍّ بنِ أبي طالب عليه السّلام . وأمّا الكسائيّ: فقرأ على حمزة، ولقيَ مِن مشايخِ حمزة إبن أبي ليلى ، وقرأ عليه ، وعلى أبان بنِ تغلبٍ ، وعيسى بن عمر ، وغيرِهم.

وأمّا الشقّ الخامسُ منَ السّؤالِ فليسَ هناكَ مِن عُلماءِ الإماميّةِ مَن يطعنُ في حفصٍ بنِ سليمان, والطعنُ الواردُ فيه قد جاءَ مِن قبلِ عُلماءِ السّنّةِ ، إذ تكلّموا في حديثِه وليسَت في قراءتِه فتدبّر!

ومِـمّا تقدّم تعلمُ مقدارَ جهلِ بعضِ الوهّابيّةِ الذين ينفونَ أن يكونَ للشّيعةِ الإماميّةِ قراءةٌ معروفةٌ يستندونَ إليها , ولو تنزّلنا وسلّمنا أنّ الشّيعةَ ليسَ لهم سندٌ معروفٌ في قراءة القرآنِ لكانَت هذهِ التّهمةُ التي يروّج لها بعضُ الوهّابيّةِ دالّةً على جهلِهم المُطبقِ بمنهجِ الشّيعةِ الإماميّةِ في هذا الموضوع, وذلكَ لأنّ قراءةَ القُرآنِ العظيمِ كانَت معروفةً ومتداولةً بينَ المُسلمينَ وتجري على مرأى ومسمعِ الإمامِ المَعصومِ وخصوصاً الصّادقِ عليهِ السّلام , وسكوتُه عَن ذلكَ يُعَـدُّ إقراراً منهُ بصحّةِ القراءةِ المَشهورةِ المُتداولةِ, ولو كانَ فيها خطأٌ ما لبيّنَه كما إشتهرَ بنقدِه لقراءةِ إبنِ مسعود. ودمتُم سالِمين.

gate.attachment