مراتب الشرك وأقسامه

بسم الله الرحمان الرحيم

مراتب الشرك وأقسامه عند الشيعة  :

لمفهوم " الشرك " أهمّية بالغة في الإسلام ، لأنّ المولى تعالى في كتابه العزيز جعله من المفاهيم التي لا تدخل في دائرة ما يمكن أن تتعلّق به المغفرة الإلهية ، ولعلّ هذا السبب بالإضافة لعدم تمكن تصور هذا المفهوم بالشكل المناسب ، هو الذي دفع بشيوخ " الوهابية السلفية " لدخولِ حالةً من الوسوسةِ والخوفِ والهوسِ بهذا المفهوم ، حتى بلغ بهم الحال أن أفردوا في كتبهم ، عناوين يفهم منها : أنّه واجبٌ على كل مسلم من الناحية الشرعية الشعور بالخوف من الشرك (1) .

 بل إنّنا نجد أنّ لهذا المفهوم مكانته الكبيرة في النُظُم المعرفية للعقائد الإسلامية ، وكما هو واضح فإنّ أهميتُه قد استمدّها ممّا يقابله من مفهوم ، وهو " التوحيد " ، الذي يُعتبر الركيزة الأساس والأصل الأول في البناء العقائدي والفكري للإسلام .

فالشرك وبما أنّه مفهومٌ يقابل التوحيد مقابلة الملكة وعدمها ، فكذلك له مراتب كما للتوحيد مراتب ، وينقسم بالتبعِ لما ينقسم إليه التوحيد ، و كذلك فإنّه يتعلّق به كل ما يقابل متعلّقات التوحيد ، فلو كان التوحيد يوصل ويُحقّق الإيمان ، فالشرك يحقّق ويوصل أيضًا للكفر المقابل للإيمان .

وعليه فنقول : أنّ الشرك عند الإمامية له مرتبتين :

الأولى : القلبي ، من قَبِيل أن يعتقد الإنسان أنّ لله شريك في الوجود أو المُلك أو الخالقية . الثانية : العملي ، من قَبِيل أن يأتي العَبدُ بعملٍ عبادي وينوي به القُربة لغير الله عزّ وجل معتقدًا بأنّ المُتقرب إليه له ما لله من صفات وخاصيات .

وكذالك فإنّ للشرك أقسام ثلاثة رئيسية ، ويتفرّع من بعضها أقسام أخرى  :

القسم الأول : الشرك في الذات ، وهو كلّ اعتقاد فاسدٍ ومخالفٍ لما جاء به الإسلام ، وكان له تعلّقًا مباشرًا  بالذات الإلهية المقدّسة  ، وهذا يكون على نحوين :

الشرك في الواحدية : بأن يعتقد الفرد بوجود إلهٍ ثانٍ غير المولى تعالى ، سواء كان هذا الإلهُ يتشارك معه في الوجود والخِلقة أو لم يتشارك معه تعالى . الشرك في الأحدية : وهو اعتقاد العبد بأنّ المولى تعالى مركبٌ من أجزاء ، وتبعًا لذالك ينفي البساطة عنه تعالى ، كأن يعتقد أنّ لله يدٌ ورجلٌ وعينٌ وجسمٌ ، على الوجه الذي للمخلوقات المركّبة من أجزاء .

القسم الثاني : الشرك في الصّفات ،  يتحقّق هذا القسم من الشرك ، من خلال الإعتقاد بما يخالف النصوص القرآنية وله تعلّقٌ بصفاته تعالى ، وهو أيضا على نحوين :

الإعتقاد بأنّ صفات المولى تعالى هي أمر زائد عن ذاته تعالى ، بمعنى أنّ يعتقد بالإثنينية في الصّفات والذات ، وهذا القسم يتقابل مع التوحيد في الصفات الذي يعني لزوم الإعتقاد بأنّ صفاته تعالى عين ذاته ، لا هي زائدة عنه . أن ينسب العَبد صفةً خاصةً بالمولى تعالى إلى غيره بالإستقلال والذات ، كأنّ يعتقد بأنّ صفة العزّة حاصلة لغير الله بالإستقلال والذات ، وكذلك القاهرية والعظمة ..........الخ . 

القسم الثالث : الشرك في الأفعال ، وهو كل مُعتقد فاسد ، وله تعلُّق بأفعال المولى تعالى أو أفعال المكلّف الخاصّة بالله عزّ وجل كالأفعال العبادية المقارنة لمعتقدٍ فاسد ، وهذا القسم ينقسم إلى ثلاثة أقسام .

الشرك في الخالقية : هو  : أن يعتقد العبدُ بوجود من يخلقُ أو يوجدُ في هذا الكون على وجه الاستقلال وبالذات غير الله ، فمثل هذا الإعتقاد يتنافى مع التوحيد في الخالقية  الدال عليه قوله تعالى { اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }(2) الشرك في الربوبية : هو الإعتقاد بأنّ هناك مسيّر ومدبّر لهذا الوجود غير الله على وجه الإستقلال وبالذات ، وهذا القسم من الشرك يتصوّر على أنحاء ثلاث :

النحو الأول : الشرك في الحاكمية ، وهو أن يعتقد العبدُ بالحاكمية على الوجود  لغير الله عزّ وجل ، لأنّ هذا يتنافى مع قوله تعالى {  إِنِ الحُكمُ إِلّا لِلَّـهِ يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيرُ الفاصِلينَ } (3) .

النحو الثاني : الشرك في الطّاعة ، الذي يتحقّق باعتقاد ونسبة الفرد الطاعة الذاتية والمطلقة لغير الله عزّ وجل ، ولايدخل هنا الطاعة التي هي في طول طاعة المولى تعالى  كطاعة النبيّ (صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام) ، لأنّ طاعتهم متفرّعة عن طاعة المولى تعالى ، كما أشار لذالك المولى تعالى في قوله { مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه } (4) .

النحو الثالث : الشرك في التشريع (التقنين) ، وهو أن يعتقد الإنسان أنّ الحق الذاتي في التشريع حاصلٌ لغير المولى تعالى ، بمعنى أن يعتقد العبد أنّ هناك من الخلق من له حقّ التشريع دون المولى تعالى و بالإستقلال عنه تعالى .

 

الشرك في العبادة : وهو التذلّل والخضوع لغير الله عزّ وجل ، مع الإعتقاد بأنّ المخضوع أو المتذلّل له ، هو إلهٌ وربٌّ أو له مالله من صفات خاصة ، ويتصور أيضا على نحوين :

النحو الأول : الشرك اللّفظي في العبودية ، وهو أن يتلفظ العبدُ بألفاظ تفيد معنى التذلّل والخضوع للمخاطب ، مع الإعتقاد بأنّ المخاطب إلهٌ أو له ما لله من خاصيات وصفات .

النحو الثاني : الشرك العملي في العبودية ، وهو أن يأتي الفردُ بفعلٍ أو عبادةٍ تدلّل على الخضوع والتذلّل لغير الله ، معتقدًا أن المخضُوع له إلهٌ أو له ما لله من صفات خاصة .

وهنا تجدر الإشارة إلى مدّعى " الوهابية السلفية " حينما قالوا بأنّ قَصْدَ زيارة الأضرحة والمقامات من الأمور المحرّمة شرعًا ، وأنّ هذا القصد مع بنية الدعاء والتوسل عند مقام العبد الصالح مصداق من مصاديق الشرك ، وبالتالي حكموا بالشرك على كلّ من يفعل هذا الفعل .

وجوابنا هو :

أولا : أنّ هذه الشبهة راجعة لعدم مقدرة أذهانكم على تشخيص الموضوع الذي ينصب ويتعلًّق به مفهوم الشرك ، فهم خلطوا بين المُعتقد الذي هو موضوعُ الشرك ، وبين الفعل أو السلوك الذي هو لا يخرج عن كونه كاشفًا من كواشف المعتقد الفاسد شرعًا الذي هو موضوعُ الشرك .

وهذا العجز في تشخيص موضوع الشرك ، هو ما دفع بهم لتحويل مثل هذه الأمور من المباحث الفقهية إلى المباحث العقائدية ، فالمسلمين بسنّتهم وشيعتهم بحثوا مسألة زيارة القبور والبناء عليها وما تعلّق بها في المباحث الفقهية ، أمّا الوهابية السلفية ومن كان على خطّاهم من القِدَم فقد بحثوا هذه المسائل في المباحث العقائدية .

ثانيًا : أنّ الشركً أمرٌ يتعلّق بما ينعقد عليه القلب لا بالأفعال ، وبمعنى آخر أنّ الشرك كما التوحيد هي من الأمورالتي تتعلّق بالجانب العقائدي القلبي في الإنسان ، لا بالجانب السلوكي الفعلي ، وعليه فالشرك لا يمكن أن يتصف به الشخص إلاّ إذا تحقّق وراء الفعل و السلوك عقيدةً فاسدةً .

نعم يمكن أن يكون الفعل أو السلوك أداةً كاشفةً عن عقيدة فاسدة ، ولكن لا يمكن

أبدا لأحد أن يحكم أنّ هناك ملازمة بين الفعل والمعتقد الفاسد ، وبالتالي يحكم بأنّه كلما

كان الفعل أو السوك موجودًا وُجدَ أيضًا معتقدًا فاسدًا .

فكثيرًا ما نجد سلوكًا قد ارتبط سابقا بمعتقدات فاسد ، ولكن صاحب السلوك رغم كونه يأتي بهذا الفعل إلاّ أنّه لا يحمل معتقدًا فاسدًا ، وبالتالي لا يمكن الحكمُ عليه بالشرك .

ثالثا : أنّ زيارة قبور الصالحين والتوسل بالعبد الصالح الموجود فيها ، وكذلك التبرك به إن كان من الصالحين ، قد وردت فيها نصوص كثيرة ، عند السنّة والشيعة ، بل وانعقد عليها إجماع الأمّة من أوّلها إلى يومنا هذا .

والحمد لله ربّ العالمين

الكاتب / السيد حبيب المقدم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تيسير العزيز الحميد : سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب  ج 1 ص 242 ، باب الخوف من الشرك  . ( سورة الزمر آية 62 ) ( الشورى سورة الأنعام آية 57 ) ( سورة النساء آية 80 )