تصدى بعض من الكتاب الغربيين للموروث الاسلامي، حيث تناولوا القرآن الكريم، والحديث الشريف، والسيرة النبوية، والتاريخ الاسلامي، وغيرها من الدراسات التاريخية والعقائدية والفكرية، وكان للإمام علي مساحة في دراساتهم، فمنهم من تناوله من خلال السيرة النبوية، ومنهم من درسه على وفق مسيرة حياته من المولد حتى الاستشهاد.
اذ تناول الكتاب الغربيين الامام علي "عليه السلام" من جوانب متعدد علمياً وفكرياً وعسكراً واقتصادياً، وقد استمدوا نصوصهم من أحاديث نبوية ومصادر اسلامية، حيث حاول الكاتب الغربي "أرندنك" من خلال الاحاديث النبوية بيان صفة العمق التاريخي للألفاظ الدالة على مكانة الامام علي وال البيت "عليهم الاسلام"([1]) فيما يؤكد حنا فاخوري :" أننا نجد في كلام الامام علي ثورة معنوية تفرد له مكاناً خاصاً في أدب ذلك العهد وثورة معنوية تجعل من كلامه متعة أدبية وجمالاً فنياً"([2]) .
كذلك نلاحظ ان الكاتب الغربي دي بور وقف كثيراً في كتاباته على قول الامام علي :" اَلْحِكْمَةُ ضَالَّةُ اَلْمُؤْمِنِ فَخُذِ اَلْحِكْمَةَ وَ لَوْ مِنْ أَهْلِ اَلنِّفَاقِ" ([3]) فكان متمعنا في الحكمة والفلسفة والاجتماع والسياسة للإمام علي ([4])، ولهذا يقول ميخائيل نعيمة :" ان علياً من عمالقة الفكر والروح والبيان في كل زمان ومكان" ([5]) يبدو ان ميخائيل نعيمة ادرك الميزات التي يتحلى بها هذا العملاق العظيم هي التي جعلته ان يكون قمة بين القمم ان لم يكن اعلاها لان تنوعه وثراه جعله يغور في كل مرافق الحياة، الا وتناولها بدقة فتراه يتحدث بالسياسة والتربية والتعليم والشعر وكافة المثل الانسانية الاخرى، وهذا مما جعلت فرقة المعتزلة الامام علي مثلها الاعلى في الفكر، لأنه حكمة وافرة المعنى، جميلة المبنى، يأخذها عقله لا لون لها، ولا رسم فتمر في مخيلته فاذا هي صورة جميلة تترجرج فيها الحياة، فهو حكيم قبل كل شيء، وحكيم في جميع مواعظه وخطبه([6]).
اعتمد محمد صالح البنداق في كتابه "المستشرقون وترجمة القرآن الكريم" من أقوال الامام علي وصفاً دقيقاً كقوله على سبيل المثال لا الحصر:" إن القرآن ظاهره أنيق، وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات إلاّ به" ([7]) كذلك قائلا:" كِتَابُ اَللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نَاطِقٌ لاَ يَعْيَا لِسَانُهُ وَ بَيْتٌ لاَ تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ وَ عِزٌّ لاَ تُهْزَمُ أَعْوَانُهُ..." ([8]) ، وكتب الكثير من المؤرخين المسيحيين في الجانب العلمي والفكري للإمام علي ابن ابي طالب على سبيل المثال لا الحصر "فيليب حتى" في كتابه "تاريخ العرب"، وحنا فاخوري في كتابه " تاريخ الادب العربي"، وجورج جرداق في كتابه "الامام علي صوت العدالة الانسانية، ، اذ يؤكد "فيليب حتى" :" ولقد اتفق المسلمون على اعتبار علي نبراس الحكمة والشجاعة فوضعته فرق من الفتيان واهل التصوف موضع الجمال النفسي وتخيلته مثالا عاليا"([9]) .
كذلك تطرق بعض الكتاب الغربيين الى نظام الخلافة السياسي والاقتصادي والاداري والاجتماعي فيقول المستشرق ارفنج :" اراد الرسول ان يوصي المسلمين بأسرته، وخاصة علي ابن ابي طالب، الذي يحبه فقال ألا من كنتُ مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذُل من خذله وأدر الحق معه حيثما دار، ألا هل بلغت"([10]) وحينما لم تصل بيعة الغدير للتطبيق ادت الى صراعات بين اوساط المسلمين فيقول المستشرق سيدليو:" لو كان قد تم الاعتراف بمبدأ الوراثة، وهو في صالح علي لكان بوسع ذلك المبدأ ان يمنع المنازعات النكباء التي اغرقت الاسلام في الدم، وكان... فضلا عن شخصيته حق الوراثة كوارث شرعي للرسول، وربما كان يظن ان جميع المسلمين سيقدمون انفسهم لخدمته ما دام طاهراً نبيلاً ، ولكن هذا لم يقع" ([11]) .
كما بين الكاتب اوليري الى تمرد معاوية بن ابي سفيان على الخلافة الشرعية بقوله:" ان الانقسام الداخلي ظهر عند ارتقاء علي سدة الخلافة حقيقية واقعة فالمسلمون الدنيويون انتصرا لمعاوية الذي كان والياً على الشام ورفضوا مبايعة علي"([12] ). ثم يعلق على ذلك قائلاً ان عقيدة الامام علي وايمانه الراسخ في الاسلام لم تسمح له بمصافحة هؤلاء الدنيويين، وقد اراد تطبيق الشريعة الاسلامية، بكل ما تضم من ابعاد اجتماعية وادارية واقتصادية ودينية.
نستنتج من ذلك ان محاولات اطفاء نور الامام علي بن ابي طالب ربيب النبي الاكرم وتغييب دوره اللامع بسناه المشرق على الانسانية لهي محاولات بائسة خاسرة وهي احقر مما يتصور الطغاة المتجبرون واصحاب المطامع الدنيوية الذين كانوا يلهثون وراء المال والسلطة، فقد كانت محاولات المستشرقون - على موقفهم من الإسلام - لا يملكون إلاّ الاعتراف بعظمة هذا الرجل، بل وتراهم يستلهمون من سيرته المبادئ التي يبنون عليها نظرياتهم في الحكم والسياسة، مستلهمين المبادئ الإنسانية العظيمة التي تطفح بها أقواله وأعماله، والتي لا يسع أحد انكارها، وهي أوضح من الشمس في رابعة النهار .
جعفر رمضان
([1] ) حسن الحكيم ، الدراسات الاستشراقية رؤية وايضاح في المنهج ،(بيروت:2012)، ص226-228
([2] ) للمزيد من التفاصيل ينظر : حنا فاخوري، تاريخ الادر العربي، (بيروت:1960)، ص325.
([3] ) محمد بن الحسن بن علي الطوسي ، الأمالي ، علي اكبر الغفاري،بيروت: دار الكتب الاسلامية)، ص.
([4] ) دي بور، تاريخ الفلسفة في الاسلام، ترجمة محمد عبد الهادي،( القاهرة:1948)، ص142.
([5] ) جورج جرداق، الامام علي صوت العدالة الانسانية، (بيروت:2001)، ص255-256.
([6] ) توفيق الفكيكي، الراعي والرعية،(بغداد :1962)، ص33-35.
([7] ) امين الدين الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن،( طهران:1379)، ج1، ص9
([8] ) محمد صالح البنداق، المستشرقون وترجمة القرآن الكريم،(بيروت:1980)، ص19-20.
([9] ) فيليب حتى، تاريخ العرب،(بيروت:1952)، ج1، ص243
([10] ) عبد الله بن مسلم الدينوري ، المعارف، تحقيق ثروت عكاشة،( مصر:1969)، ص210
([11] ) الطبرسي ، المصدر السابق، ص293
([12] ) جورج جرداق، المصدر السابق، ص374.
اترك تعليق