العمارة رمز اسلامي ..
كثيرة ومتنوعة هي الرموز الدينية التي تندرج تحت مسمى الإسلامية ، وهي في اغلبها نابعة عن المصدر الأول للفكر الإسلامي المتمثل بالقرآن الكريم ، فارتبط فيها الجانب الروحي بالجانب المادي بصلات وثيقة ، حيث جعلت من الفنان المسلم معبراً عن بعض المواضيع السماوية وفق التزامه بآداب وتقاليد الدين الإسلامي وتعاليمه القويمة، مما جعله ينتج فناً أصيلاً يرتقي القمة في عالم الفن ، وهذا ما يظهر جلياً في العمائر الاسلامية التي تعد احدى اهم واروع تلك الرموز المعبرة عن روح الاسلام .
تأثرت العمارة العربية بأساليب فنية مختلفة من خلال الفتوحات الاسلامية والحضارات التي احتك بها المسلمين كالحضارة البيزنطية والساسانية والهيلينية وغيرها والتي مُزجت مع الحضارة العربية وموروثها ، لينتج منها مجتمعة شوامخ اسلامية نتلمس فيها الوحدة الفنية على الرغم من تعدد مراكز تلك الحضارات وبعد مواقعها ، و يرجع ذلك إلى وحدة المنبع والأساس ألفكري للحضارة الإسلامية الفذة .
لقد تعامل المسلمون بشكل حضاري مع تلك الثقافات الجديدة ، حيث اتجهوا بها نحو السمو ووجهوها الى الطريق الصحيح ولم يحاولوا قط طمس معالمها الثقافية بل أبقوا عليها وأضافوا إليها الشيء الكثير ، فعمد الفنان المسلم الى استبدال الصور والتماثيل التي تزين العمائر في الحضارات الاخرى بالأعمدة المتنوعة وأدخل الفسيفساء والزخارف النباتية والهندسية وحورها واهتم بالتصميم المعماري والتصميم الهندسي والإيقاع الجمالي بروحية اسلامية مما اكسب الاشكال فرادة وتميزاً في بناء العمائر وتزيينها .
تمتع فن العمارة في ظل الإسلام بمكانة متميزة بأساليبه وطرزه المختلفة المنتشرة في أنحاء البلاد الإسلامية والتي أثارت دهشة الرحالة وبعض المستشرقين ، حتى اخذوا يغالون في وضع التفسيرات لها ، فكانت تفسيراتهم قريبة من الخيال حين عدّوا هذه العمارة اسقاطة رمزية عما ورد في وصف الجنة في القرآن الكريم بل وذهبوا الى ابعد من ذلك حين اطلعوا على دوافع الفنان المسلم الكامنة وراء ابداعاته وبالخصوص عمارة المساجد ، فالمسجد هو الرمز المعبرعن العقيدة الإسلامية ومكان استزادة روحية وفكرية بإقامة الشعائر الدينية وانتهال العلوم المختلفة ، فأول مسجد شُيد في الإسلام هو المسجد النبوي الشريف ،وكان بسيطاً متواضع المظهر والبناء متوافقاً مع روح العقيدة الجديدة التي تبتعد عن مظاهر الترف والاسراف ، أما بداية استخدام الأعمدة والتيجان والعقود والقباب فقد كانت من خلال الاقتباس من الفنون القديمة التي كانت سائدة في البلدان التي وصلها الإسلام .
يتجسد الرمز الإسلامي في عمارة المسجد بشكل عام من خلال شكله المعبر عن العقيدة الإسلامية ، وفي عناصر هذا النوع من العمارة ، فالقباب والأقواس والأعمدة هي بحد ذاتها رموزإسلامية بأشكالها والوانها ، فالقباب بلونها الفيروزي اتخذها المسلمون رمزاً للسماء يتعبدون تحتها ، وكذا الأقواس المتداخلة اللامتناهية والأعمدة الرشيقة المتتالية .
أما المآذن فهي الأخرى من الرموز المهمة في العمائر الاسلامية ، فمنذ الأذان الأول الذي رفع من موقع مرتفع نشأت الحاجة إلى المآذن واهتم المسلمون ببنائها واختلفت أساليب تنفيذها وطرق تشييدها ، فضلاً عن ذلك فان من معالم العمارة الإسلامية مزاوجتها بين هدف الوظيفة الفكرية والأداء الوظيفي للمسجد ، وذلك من خلال التنظيم الشكلي لمكان وجود المحراب الذي هو رمز إسلامي آخر ينظم وقوف المصلين في صفوف صلاة الجماعة .
استخدم الفنان المسلم اللون وعلاقته بالخط والشكل في تزيين العمائر وزخرفتها بغية التعبير عن مدلولاته الفكرية والانفعالية ، فليس هناك ما هو أكثر تميزاً وسلاسة من ذلك الترابط الدلالي بين اللون الفيروزي والخطوط الخارجية للقبة أو المئذنة ، فخطوط القبة والمئذنة توحي بالسمو والارتفاع و كأنها تجذب أنظار المتلقي إلى تأمل تلك اللغات والإشارات التي يبثها اللون الفيروزي المؤتلف مع خطوطهما ، فاللون الفيروزي هو نداء موجه من فنان مؤمن متذوق في محاولة منه لإيقاظ نفس المتلقي من سباتها كي تحلق نحو السماء وعالم السرمدية الذي يقترب منه الفنان بأفكاره وابداعاته الخلابة .
جمع وتحرير
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق