الفن ضرورة اجتماعية

تلعب الفنون بشكل عام دوراً مهما في ترسيخ القيم الإنسانية النبيلة ضمن المجتمعات ، بما يضمن تغيرها نحو الأفضل فهي تمثل نهجاً مستقلاً للمعرفة ، كون الفنان يعد قائدا اجتماعيا يتآزر بدوره مع قادة المجتمعات لرسم خارطة طريق تخلق توازن بين افراد المجتمع الواحد ، ومن هنا اصبح لزاما على الفن ان يكون أهلاً لمخاطبة جميع أفراد المجتمع وليس فئة دون أخرى ليجمع أفراد المجتمع بوجدانية وافاق ثقافية موحدة ليكونوا على درجة كافية من الوعي والادراك فهو بطبيعته " الفن " يتعرض للكثير من المواقف والامور المقومة لحياة الفرد الاجتماعية كما هو شأن الفنون الاسلامية على سبيل المثال بتوثيق ونقل الوقائع عبرالاجيال والحضارات المختلفة لنشر الرسالة المحمدية سعيا لتوحيد المجتمعات وزرع بذور الأمل والتفاؤل بين أفرادها ، من خلال التزام الفنان بطروحاته ورؤيته الخاصة لرسالته المبتغاة من وراء فنه .

وليس بالضرورة ان يلتزم الفنان تعبيراً مباشراً عن هذه الأمور في آثاره ومنجزاته الفنية ، فبالإمكان تحقيق أغراض الفن وايصال رسالته حتى وان كان الموضوع مأساويا مؤلماً ، كما الحال في طروحات مدرسة الفن العاشورائي والرسوم التي وثقت واقعة الطف وقسوة المجزرة التي حلت بآل بيت النبوة " عليهم السلام " صغارا وكبارا .

فالفن ليس إفرازا عرضياً يرافق تكون الحضارات أو نتاجاً اجتماعيا فحسب ، بل هوأحد العناصر الأصيلة التي تتجه نحو تأسيس المجتمعات ، وان واجب الفن الاساس خدمة الإنسان ما دام لا يظهر إلا من خلاله ، لذا فان واجب الفن هنا هو خدمة المجتمع فلا يؤدي الفن دوره الاعندما يعلم الإنسان كيف يتصرف تصرفاً سليماً ، ويوقظ فيه الرغبة في العمل الفعال مـن اجل توطيد الحقيقة والخير والجمال في الحياة .

 

وقد تناول العديد من الدارسين الفن كأحدى طرق التعليم تحت مسمى " التعليم عن طريق الفن " ، فأعنوا  ان نشر الفنون بين الناس تعليم لما هو معقول ، فضلا عن ان تذوق اي نشاط جمالي " المشاهدة او الاستماع " ليس قفزة في فراغ بل هو في أساسه خبرة اجتماعية قائمة في نفس المتلقي شحذت بتراكم التجربة ، لتجعله على اتصال بحقيقة الأشياء الكامنة وراء حجاب التقاليد التي هي نتيجة التبسيط والتبويب خدمـة لأغراض الفكر ، اي بمعنى اخر الوصول الى حقائق الاشكال الجمالية وبواطنها كتعرض المشاهد لواجهة احدى المقامات او الاضرحة الدينية المقدسة فغاية الفنان هنا احالة نفس المتلقي الى روحانية المكان وقدسيته وبالتالي الشعور بعظمة الخالق سبحانه من خلال كينونة المكان ونقوشه الخلابة ،  وبالمحصلة فهي وسيلة اعتمدها الفنان لإنضاج الغريزة الجماليـة لدى المتلقي لمقاومة الغريزة التملكية لديه ، غاية منه " الفنان " لمنح المشاهد القوة على التمتع بحقائق الاشكال ومرجعياتها .

وبالتأكيد فأن أهمية التذوق الجمالي لا تقتصر على هذا الجانب فحسب ، بل ان الفن قادرعلى لم شمل اطراف اي موضوع ودقائقه في وحدة كلية تربط اجزاءها علاقات متناغمة ككيان متكامل مفهوم ، كما هي الأمـور الإنسانية حينما لا تفهم على حقيقتها إلا في موقعها ضمن شبكة علاقاتها مع بعضها البعض مؤثرة ومتأثرة ، وهذا يتطلب بالضرورة تذوقاً جمالياًبوجود المخيلة القادرة على تصور الأشياء في تداخلها مع بعضها كي نعرف قيمتها الحقيقية .

لقد تمايلت وظيفة الفن عموماً منذ القدم بين خطي المتعة والتعليم ، فكل عمل فني لا يعدم وجود المتعة والتعليم ، فالفن بشكل عام عذباً مفيداَ ولكن يتوجب وحسب طبيعة الفن ان يكون مفيداً ومعلماً من خلال عذوبته كونه يحمل رسالة ما الى المشاهد ، والعمل الفني الناجح هو ما اندمجت في تكوينه صفتا الفائدة والمتعة ، فنفع الفن جديته وتعليميته وهو نفع مفعم بالإمتاع يختلف عن جدية الكتب الممنهجة وباقي العلوم الاخرى في ايجاب تعلمها لأستيعاب رسالتها ، فالفن يفهم بجدية الإدراك للاشكال من خلال الإحساس بحقائقها الجمالية .

 

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة