عبارة صاغها الرسول .. نقشت على ابواب الجنان

الحسن والحسين امامان قاما او قعدا ... كلمات قالها رسول الهدى " محمد صلى الله عليه واله " ، بحق سبطي الرسالة وروحها ، فخطت على ابواب الجنان تحاكي قلوب العطاشى قبل ارتواءهم تحت قبة الحسين " عليه السلام " ....

شاع استخدام تقنية توشيح المصوغات والنفائس بالمينا والاحجار الكريمة في الثقافات القديمة بغية كسبها جاذبية متميزة ملفتتة للنظر ، فهي تعد زينة عمل الحرفيين من الصاغة وبهجة اعمالهم الفنية ، وكان ابتكارها شيّقا ومفيدا ، فقد عوّضت المصنوعات من التحف والمصوغات عن ألوان الاحجار الكريمة والثمينة وثقل وزنها وارتفاع أسعارها ، اذ تشع المينا الملونة على خلفية المعدن النفيس كأنها جواهر حقيقية لكنها من ابتكار الفنان وصناعته .

ويميز المتابع لتأريخ هذه التقنية في الثقافات القديمة وما تبعها  ، ان طلاء المصوغات بالمينا استخدم في زينة الحلي في مواطن معينة دون صقلها لتكتسب ظاهريا هيئة الاحجار الكريمة كالماس والياقوت واللازورد وغيرها ، حتى أصبحت هذه فنا مستقلا بذاته ذي جمالية فريدة اخاذة للانظار.   

إن مايميز المينا عن تطعيم المصوغات  بالاحجار هو تنوع الالوان المستخدمة وثباتها على المعدن ( فهي تتداخل عضويا " ان صح القول " مع سطوح الاعمال الفنية المراد تزيينها ) ، فضلا عن فرق التكلفة اقتصاديا فثمن المينا أقل بكثير من ثمن الاحجار الكريمة ، وعلى خلاف المينا المتماسكة بالقطعة الفنية فان الاحجار الملصقة عليها معرضة للسقوط والضياع وبالتالي التقليل من قيمة العمل الفني بمرور الزمن .

اما عن ماهية المينا فهي لا تتجاوز كونها مادة زجاجيّة اتت من خليط  فتات الزجاج المذاب مع الرصاص ومادة البورق، وتكسب الوانها الختلفة عادة عبر إضافة الأكاسيد المعدنيّة (أكسيد الزرنيخ للون الأزرق، واكاسيد الحديد والمنغنيز للون الأحمر الأرجواني واوكسيد القصدير للون الأبيض) ، على ان يتم ذلك تحت درجة حرارة تصل الى 780 درجة مئوية وبوقت لايتجاوز دقيقتين ونصف الدقيقة ( وذلك تبعا لحجم النموذج المراد تزيينه) ، وبفعل عامل الحرارة العالية يذوب الخليط الكيميائي للمينا متجانسا متوغلا سطح المعدن المصاغ ، مشكلا صورة فنية متميزة ذات فرادة لمصاغ المينا بكيانها الاسلامي البديع .

 ابدع الصاغة المسلمون بتوشيح اعمالهم بالمينا بالوانها المتعددة وتقنيات استخدامها المختلفة ، فقد انتشر استخدام المينا بنطاق واسع من العالم الاسلامي شملت الكثير من بلدانهم كالهند وأواسط آسيا وايران وبلاد الشام والمغرب العربي والعراق ودول اخرى اسلامية ، وخير مثل للمينا في العراق هي تلك التي نفذت في المراقد المقدسة للائمة الاطهار في العراق ونخص ماتميز منها في ضريح سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين " عليه السلام " حيث زينت بها اجزاء من الابواب والشبابيك الخاصة بالضريح الشريف والتي تفاوتت الوانها بين المينا السوداء " كما في القطعة الكتابية الموجودة فوق ضريح الشهداء " ، والزرقاء المتمثلة بنقوش المينا التي شغلت حيزا من الابواب المؤدية الى الضريح المقدس كما في الصورة اعلاه ، ومن الملاحظ في انواع المينا الموجودة حول الضريح الشريف انها تشترك بالوان موحدة استخدمت فيها وهي الاسود في بعضها و الازرق الغامق والاخضر الفاتح والاصفر في بعضها الاخر، ومن الملاحظ ايضا اختلاف بعض التقنيات المستخدمة فيما بينها بالرغم من طغيان المينا المفصصه بشكل كبير .

وهنا لابد من الاشارة الى اهم تقنيات استخدام المينا التي استخدمها الفنان الاسلامي في مصوغات المينا ، وهي كما تداولها الفنان المزخرف كانت كالاتي ..

1- المينا السوداء ، وتتميز هذه التقنية عن الاخريات ، بان تطعم ارضيته الذهبية او الفضية بمسحوق معدني ذي قوام متكون من  الفضة والنحاس والرصاص والكبريت التي تمزج وتصهر ثم تبرّد وتسحن مكوّنة مادّة على شكل مسحوق أسود يشبه الكحل ، عكس المينا الملونة الاخرى التي يستخدم فيها مسحوق زجاجي كما في المينا الملونة ، وتستخدم المينا السوداء عادة لتزيين سطوح الفضة البرّاقة عالية العيار .

2- المينا المحفور ، وقد شاع استخدامها في المصاغ المغولي الاسلامي في الهند ، وهذه التقنية أيسر من الاخريات ، حيث تكون بطريقة الحفر الذي يكون شبكة من القنوات الرقيقة مفصولة عن بعضها البعض بحواف دقيقة تنشرعليها مساحيق المينا لتملا الاخاديد الزخرفية المحفورة على السطوع ،لتوضع في الفرن لتسخن ثم تبرد بعد ذلك وتصقل لتكون جاهزة كتحفة فنية مميزة.

3- المينا المرسومة ، وهذه التقنية اشتهر بها وجوّده الحرفيون في ايران  ، وهي تقنية تتجاور ألوانها فوق سطح المصوغة  ةهي تعتمد على مهارة الفنان ومدى خبرته في التحكم والسيطرة على درجات الحرارة المختلفة اللازمة لاذابة الالوان المتنوعة للمينا ، لتجنب سيلان واختلاط المينا الذائبة على السطح ومن الجدير بالذكر ان من يقوم بصناعة هذه التقنية لابد ان يجمع بين حرفته كصائغ ومقدرته العالية في الرسم وتشكيل مفردات النقوش .

4- المينا المفصصة ، وهي أهم تقنية مينا استخدمها الصاغة الفاطميون والايوبيون والاندلسيون والمغاربة بشكل عام ولانجاز هذه التقنية يؤخذ سلك معدني يشكّل بواسطته تفاصيل الزخرفة او الخط المراد تكوينه على السطح المعدني " الارضية " ، فتكوّن هذه الاسلاك الشبكة الزخرفية التي تظهر على شكل خلايا فارغة يملاهاالصائغ بمساحيق المينا بحيث يبقى كل لون مستقلا ومعزولا بشكل محكم عن باقي الالوان الاخرى ، لتوضع القطعة الفنية في الفرن بغية اذابة المساحيق لتبرد بعدها وتصقل لأكسابها هيئتها الزجاجية النهائية .

 

 سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة