باب تروي قصص الجود وسجايا الحلم والكظم

اختلاجات متناقضة تلك التي نستشعرها بذكر الكاظمين " عليهما السلام " ، فتارة تعتصرالقلب نبضات من الحزن العميق يتقاطرها دمع دفين لما نزل عليهما من ظلم " عليهما السلام " ، وتارة تسعد الانفس لتطير محلقة بفضاء الرحمة الالهية بوجود ابواب للخلاص والنجاة، يلجأ اليها الملهوفين لدرء ما ألم بهم من مصائب الدهر وجوره ، ذلك مايشعر به الموالي المحب لتلك الرموز المشرقة الذين استكمل الله تعالى  فيهم الصفات الإنسانية والروحانية حتى بلغوا مابلغوه من عز و رفعة ، ليقيموا منار هذا الدين ويرفعوا شعار العدل الالهي ، ويقاسوا في سبيله جميع ألوان الخطوب ويتحملوا ظلم جبابرة عصورهم وطغاة زمانهم .

تعد المراقد والاضرحة الدينية المقدسة من أخصب العمائر الفنية واشملها لكل أنواع الفنون الزخرفية والحرف اليدوية المتقنة حيث تحتوي على كم هائل من الجداريات واللوحات الفنية الزخرفية والمنفذة بتقنيات مختلفة ، فقد اهتم الفنان المسلم بدواخل تلك العمارة اكثر منها في خارجها ، تيمنا باحدى مبادئ وقواعد فن العمارة الاسلامية بجعل الفراغ الداخلى لتلك العمائر هو الهدف الرئيسى منها " جماليا و وظيفيا " وتاتى بعد ذلك الواجهات التى هى الغلاف الخارجى " القشرة الاقل اهمية من المحتوى الداخلي "

وقد شمل هذا الاسلوب الفني المعماري مرقد الكاظمين " عليهما السلام " في بغداد ، حيث نفذت اجزاءه المقدسة بفخامة رائعة جسدت الفن الإسلامي بكل أصالته وجماله وانواعه المتعددة ، فقد تجلت في معالمه الداخلية خبرة وذوق الفنان والحرفي المسلم ، وبالخصوص في صناعته للشباك المعدني المرصع بالذهب والفضة والقابع فوق القبرين الشريفين لأمامينا  " موسى بن جعفر الكاظم ومحمد بن علي الجواد " " سلام الله عليهما " ، ليكون من نفائس القطع والاعمال  الفنية ، حيث الدقة ورهافة الذوق والاتقان في تنفيذ اجزاءه المختلفة الخامات التي اكتسبت روحيتها من قدسية هذا المشهد المقدس .

الصورة اعلاه تمثل لقطه فوتوغرافية للباب الذهبي الخاص بالشباك الشريف لمرقد الكاظمين " عليهما السلام " وهي احد الاجزاء التي شغلت حيزا مكانيا وفنيا من احد جوانب الشباك الذهبي الشريف ، وتمتاز هذهِ الباب كباقي اجزاء الشباك بخاصيتها الجمالية الأخاذة ، فقد جسدت زخارفها ونقوشها تكاملا مع قوامها العمودي المتسم بالاستطالة ، حيث اتت بمصراعين متماثلي الابعاد والهيئة يرتفع فوقهما تكوين متماسك القوام من النقوش الزخرفية المركبة بين نباتية وهندسية يتوسطها شكل هندسي عقدي خطت بداخله حروف من الذهب الخالص لآية من الذكر الحكيم " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ  { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }" لتشغل الثلث الاعلى من المساحة الكلية للباب الذهبي .

احاط الفنان الباب باطار مميز يشغل جانبيه عمودين ضخمين من الذهب محززان طوليا ، يعلوا كل منهما كتلة ذهبية مزخرفة تقترب من شكل راس الصولجان ، وتدنو كل منهما _العمودين _ قاعدة اشبه بالاسطوانية ترتكز فوق اخرى مكعبة الشكل  ذهبية الهيئة مزينة بزهرة نجمية تبرزعن الشريط الزخرفي المحيط بقاعدة الشباك المطهر ، أما المساحة المحصورة داخل هذا الإطار بكل تفاصيلها فقد شُغلت بتشكيلات زخرفية نباتية وهندسية متنوعة .

اما مصراعي الباب فيميزهما المشاهد بانهما متماثلين متقابلين من حيث الأبعاد والبناء الزخرفي بأستثناء الكتابات المنقوشة عليهما فهي مختلفة ، ويفصل بينهما عمود ذهبي مزخرف بانواع مختلفة من الزخارف النباتية المتداخلة مع بعضها البعض ، وقد اتى به الفنان بقوام طولي محزز صولجاني الشكل والاطراف مميزا بانه يحمل اقفال مصراعي الباب .  

 ولو وضعنا الجزء الايمن منها امام المشاهد المتامل لتفاصيلها لوجد ان هذا الجزء يتوسطه شكل معيني مكتوب بداخله بخط بارز من الذهب " الامام محمد بن علي " يعلو فوقه شكل هندسي اقرب للمعين يحمل لفظ الجلاله " الله " بين ثناياه ليقابله في شق الباب الاخر " جل جلاله " ، والى الاسفل منه شكل اخر مكتوب بداخله " الامام الجواد " لتشغل هذه الاشكال المساحة الزخرفية الاكبر من ارضية هذه التحفة الفنية التي ميزها الفنان بانواع من الاشكال الزهرية والغصنية المتشابكة فضلا عن ان هذه الاشكال قد احيطت بشريط من الزخارف النباتية المتداخلة بعناية فنية وحرفية مع بعض الاشكال الهندسية الرائعة ، اما الشق الايسر من الباب فيناظر مثيله الايمن باستثناء ما مكتوب في وسط الاشكال الهندسية ، التي احتضنت اسم الامام " موسى بن جعفر عليه السلام " والى الاعلى منه كلمتي " جل جلاله " المكملة للفظ الجلاله في الجزء الايمن من الباب ، اما الشكل الأقرب للمعيني في اسفلهما قد كتب فيه " باب الحوائج " وهي كنية اطلقت على الامامين " سلام الله عليهما " ، وبهذا يكون واضحا للمتلقي بمحاولة الفنان الجادة لجعل اللوحة متكاملة الاجزاء والشمولية في معناها ليحيط قدر استطاعته بالاجواء الروحانية لهذا المشهد وابراز قدسيته ؛ لتلامس ارواح الزائرين المحبين لمحمد وال بيته الاطهار "سلام الله عليهم اجمعين " .

سامر قحطان القيسي

المرفقات