الزهراء وكربلاء .. تجسيد للصبر على الابتلاء

يا رأس يا رأس قد جددت أحزاني   ...   لما جرى لك ياروحي وجثماني

أيـا قتيـلا بـلا ذنـب ولا سبـب        ...   ويا غـريبا بعيد الـدار مهتانـي

والجن والانس قد ناحت لمصرعكم  ...  مصابكم احرق الاحشاء نيراني

أبيات نقلها صاحب كتاب دار السلام عن رجل انصاري طرقت اسماعه عن لسان الزهراء في رؤيا حزينة تحرق القلب كانت سببا في اسلامه،أخبر بها امامنا علي بن الحسين " عليه السلام " ليستدرك حديثه بعد هذه الابيات ، بان الزهراء روحي لها الفداء قد جعلت تأخذ الدم من نحر ولدها الحسين وتصبغ بها جبينها وناصيتها .. وهي تقول : ( هكذا القى ربي يوم القيامة وانا مخضبة بدمك يا ولدي ياحسين ) ... أعان الله قلبك يأم الأئمة الاطهار وياروح النبي التي بين جنبيه، وسلام عليك يا من يرضى الله لرضاها ويسخط لسخطها عليك منا سلام الله أبداً ما بقينا وبقي الليل والنهار .

 

اللوحة اعلاه تحمل عنوان " سماء كربلاء " وهي من منجزات الفنان الايراني المبدع الاستاذ عبد الحميد قديريان ، وقد اتت كأحدى المفاصل المهمة في معرض شخصي للفنان استعرض فيها معركة الطف بأغلب احداثها المفجعة وقد اكتسب المعرض اثناء أفتتاحه عنوان هذه اللوحة نفسها .   

تتضح في هذه اللوحة الفنية رموزوعناصر ذات منحى فكري أسترجاعي على مستوى المخيلة والذاكرة ، انجزها الفنان وهي محملة بشحنة عاطفية تعبيرية ذاتية تتوسم حيزاً استبطانياً ، وكأن الفنان بمنظومته العقلية استدعى نشاطه التخيلي بكثافة ليمنح العمل مسحة خاصة في رؤيته الفنية لفكرة العمل ، حيث تكريس الجانب الحسي لمفردات معينة تخدم آلية اشتغال اللاشعورعند الفنان، لذا كانت عناصر التكوين تتحرك وفق ضرورات إظهار الصورة الذهنية لديه " الفنان " وعرضها على المشاهد حيث تداخل الخطوط المستقيمة والمنحنية مكوناً بنى من العلاقات المتداخلة تذوب فيما بينها من حيث القيمة اللونية لتحدد شكل الكتلة بالنسبة للفراغ والعلاقات الفنية فيما بينها .

 ومن الملاحظ ايضا ان هذا المنجز الابداعي يضع المتلقي أمام فضاءات تخيلية تبعده عن مفهوم الواقعية ، كون عملية الإبداع هنا جعلت من الفنان ذا قدرة صريحة على استلهام الحيثيات الفكرية لموضوع العمل روحيا وعقائديا ، وهذا ما ينطبق على آلية استخدام اللون مما جعلت هذه الاستخدامات تتجه نحو الفطرية الحدسية ، إذ أتخذ الفنان في هذا العمل أسلوبية معالجات مبسطة ذات رؤية فنية اكاديمية روحانية في إخراج العمل الفني كما هو عليه ، حيث تركزت مفردات التكوين لجعل اللوحة عملاً متكاملاً من حيث الرؤية الأكاديمية و العقائدية ، ونستشعر ذلك جليا فيما ورد بوضعه الضوء المشع من قلب السماء لينير أسفل اللوحة ، موازن به المساحات الفارغة لونيا كونها تفتقر لتعددية العناصر والاشكال .

 لقد برز المنحى الروحي في هذه اللوحة وفق دلالاته الدينية العقائدية ، من خلال براعة قديريان في توظيف مخيلته الواسعة في جعل النور المنبثق من شخص السيدة الزهراء " سلام الله عليها " كأنه قبة بيضاء من النور تغطي مخيم الحسين عليه السلام في كربلاء ، مستثمرا بذلك " الفنان " خبراته اللونية في معالجة الوان اللوحة واضواءها وظلالها بأختزال دقيق جدا ، فقد استخدم اللون الازرق والابيض والاصفر بتدرجات ذكية وبانسيابية تامة خلقت تواشجا بين العناصر المكونة للعمل الفني على الرغم من سعة فضاء اللوحة وعمق منظورها باشكالها البعيدة ، فقد كانت الوان المنجز الفني منساقة وفق طبيعة ذات الفنان المتأثرة بأحداث كربلاء ومكانة اهل البيت صلوات الله عليهم وعظم مصيبتهم ، فضلا عن توظيف عبد الحميد  لبعض الرؤى والروايات المهمة كحظور امير المؤمنين والسيدة الزهراء " سلام الله عليهما " يوم الطف بكربلاء لمواساة ابي عبد الله ومن بقي بعد استشهاده من السبايا .

أن القيم الروحية والجمالية  التي أراد الفنان إظهارها عبر هذه اللوحة حاول محاكاتها بشكل يكون أكثر واقعية من خلال مخزونه العقائدي الروحي " حب ال البيت " على مستوى المضامين ، ويتجسد ذلك عبر نقله لتلك الرسوم بشكل بسيط ومعبر لكنه محملاً بدلالات رمزية روحية تشكل عامل جذب لعقول وقلوب المتلقين ويبدو انه قد وفق بذلك .

 

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات