شوامخ تعود لأرض كربلاء ..

ياحسين .. ياحسين .. ياحسين .. نداء علا به صوت جابر في ارض الطفوف فلم يجد مجيبا له فقال .. حبيب لا يجيب حبيبه ، وأنّى لك بالجواب وقد شطحت أوداجك على أنباجك ، وفُرقَّ بين رأسك وبدنك ، فأشهد أنك ابن خاتم النبيين وابن سيد المؤمنين وابن حليف التقوى وسليل الهدى وخامس أصحاب الكساء وابن سيد النقباء وابن فاطمة سيدة النساء ..

اللوحة اعلاه جزء من سلسلة الروائع الفنية الحسينية المميزة للفنان الكربلائي المبدع " حيدر الحسناوي " ، انجزت اللوحة بأسلوب واقعي وبحرفية عالية بتقنية الزيت على قماش الكانفاس الابيض عام 2010 م ، وقد اتت بابعاد 120* 90 سم  وهي من مقتنيات العتبة الحسينية المقدسة في الوقت الحاضر .

عالج الحسناوي في هذه الرسمة مشهدا مؤلما يثير شجون المتلقين واحاسيسهم بتصويره لحظة عودة قافلة السبايا لأرض كربلاء ورد الرؤوس الشامخات لتدفن مع اجسادها الطاهرات ، فمن المعروف ان استشهاد الامام الحسين عليه السلام وماحل بعياله من بعده  قد حرك ضمير الإنسانية اجمع دون تحديد، حيث شاع صدى ثورته وتضحياته بالغالي والنفيس شتى بقاع الارض ، فتناقلتها الثقافات وتناولتها باختلاف لغاتها ودياناتها إسلامية كانت ام غير اسلامية ، فمنهم من نقلها بشعره والاخر بقوله وتمثيله ومنهم من رسم مؤرخا تلك الاحداث التي ادمت القلوب ببنية جمالية خاصة مستلهما مضامين افكارها من مرويات الطف التأريخية ، ليزداد من خلالها تعلق الناس بها ومن ثم ديمومة تداوليتها كعلامات ايقونية متناقلة عبر الاجيال المتلاحقة تفسر وترسخ العقيدة لأتباع أهل بيت النبوة الاطهار " عليهم السلام " .عمد الفنان اثناء تنفيذه للرسمة لتمثيله بمركزين اساسيين شكلا العلامة الدالة لمعنى الحدث المعالج وأحداثه الواردة عبر الروايات والمتخيلة من قبل الفنان ،  فقد نفذ العمل بإنشاء مفتوح يستحضر البنية المكانية الواقعية لمكان دفن الاجساد الطاهرة بطفوف كربلاء ، مما أستدعى الرسام لاستحضار البنية اللونية التي تختص بجغرافيتها وتمثلاتها الصحراوية ، فأقام تدرجا لونيا مابين الغامق والفاتح حتى نقاط التلاشي في خط الأفق ليظهر عمق اللوحة وامتداد الصحراء وسعتها . إختار حيدر أن يضع  نقطة الارتكاز الرئيسية في مقدمة اللوحة القريبة من المشاهد والمتمثلة بشخص السيدة زينب بنت علي عليها السلام وجعل منها عنصر شد يربط ما بين المراكز البصرية الأخرى في العمل ، فضلا عن اقترابه من واقعية المكان باستحضاره العلامة المكانية الرابطة للحدث وهي مكان دفن جسد ابي عبد الله الحسين ، فعمد إلى تحديده بشاخص من الرمال المميزة بألوان غامقة مستثمرا الظل والضوء ليعطي أحساس بملمس الرمال المتراكمة من فوقه ، ولو توغل المتعرض لوسط اللوحة لوجد مركزا اخر للوحة يعتبر مكملا لمركزية السيدة زينب في مقدمتها ، ويتمثل بشخص امامنا السجاد علي بن الحسين وهو يضج بالبكاء ومن امامه جابر الانصاري ومن معه في اول زيارة لهم لقبر الحسين عليه السلام في العشرين من صفر عام 61 هـ والذي وافق يوم رجوع حرم الحسين عليه السلام من الشام إلى كربلاء مرة أخرى بقيادة الإمام زين العابدين عليه السلام .  

حرص الحسناوي إلى أن يذهب بالمتلقي الى الحدث المعني انفا ويتركه يسبح في فضاءات اللوحة العميقة ورمال ارضيتها الساخنة ، عن طريق دقته في بنائه للفضاء المفتوح والأرض الرملية الجرداء الواسعة التي خلت إلا من شواخص قبور الشهداء ومن يزورهم " قافلة السبايا ومن معهم " ، فقد عمد حيدر الى استخدام الوان الأصفر والبني بكثرة وبدرجات متفاوتة الحدة في تمثلات الأرض والتضاريس والملابس وحتى السماء ليوائم بذلك الحالة النفسية للمشاهد المتعرض للوحة لتلقي موضوعة  العمل الفني روحيا موضحا علاقته بذات الفنان نفسه ، وقد شكلت الوان اخرى حيزا مهما في اظهار الجو العام للوحة " المأساة "  كالأحمر والأزرق وبعض الأخضر والتي مما حدا بتلك البنية اللونية المتماسكة بان تخلق جوا موحدا لفكرة العمل بشكل عام ، ولا يخفى على المتأمل للوحة براعة الفنان الكربلائي في بناء الرموز العقائدية من حيث هيئة شخصيات اللوحة ومراعات قدسيتها وبالخصوص هيئة السيدة زينب والامام السجاد عليهما السلام ، ولم يترك الفنان مخيلة المتلقي لتتشظى " اثناء تنقله بأجواء اللوحة المؤلمة " فذهب بها صوب ابي الفضل عليه السلام في اعلى يمين اللوحة " بالنسبة للمشاهد " مصورا جزءا يسيرا من المشرعة ليترك القارئ ومأساة اخرى من مأسي معركة الطف التي لطالما ابكت العيون وادمت القلوب الحرة و تفتت منها الاكباد حزنا وألما .

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة  

 

المرفقات