طـلـب الـحسـين المـاء يسـقي طـفله .. فـإستقبلته مـن الـعداة سـهام

اقبل الامام الحسين " عليه السلام " يوم عاشوراء عائدا الى الخيام محني الظهر مثقلا بمصائب القوم ، ليجد الرضيع وقد جف حليب أُمِّه ، فهم بحمله وخرج راجلاً يحمله يستسقي له شربة ماء علهُم يسقوه قليلاً ، فصاح سلام الله عليه.. أيها الناس ، إن كان ذنب للكبار فما ذنب الصغار ، فاختلف القوم بينهم ، فمنهم من رأى سقيه ومنهم من حال دون ذلك ، ومنهم من قال .. ( لا تُبقُوا لأهل هذا البيت باقية ) ، حتى اتى أمرعمر ابن سعد إلى حرملة الأسدي(لعنهما الله) بأن إقطعوا نزاع القوم  ليسدد اللعين سهمه وهوفي قلب قوسه نحو رقبة الرضيع التي بانت كأنها إبريق فِضَّة على عضد ابيه الحسين ، ليذبحه من الوريد إلى الوريد ، وكان الرضيع مغمى عليه من شدة الظمأ ، فأحس بحرارة السهم ليحرر يديه من تحت القماط معتنقا أباه ، وهو يرفرف بين يديه كالطير المذبوح ، فوضع الحسين " عليه السلام " يده تحت نَحر الرضيع فأمتلأت دماً ورمى بها الى السماء بغير رجعة .. مناديا " اللهم لا يكن أهون عليك من دم فصيل ناقة صالح ، اللهم إن حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير لنا ، وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين فلقد هون ما بي أنه بعينك يا أرحم الراحمين " .

اللوحة من منجزات المبدع الايراني " عبد الحميد قديريان " ، انجزت باسلوبه العاشورائي المتميزعن باقي الاساليب والاعمال الفنية التي تناولت قضية الطف وما مر به اهل البيت صلوات الله عليهم ، حيث اتى بها بملامح مميزة ، كان من ابرزها القدرة على التعبير الحرعن الاشكال ومضمونها ، معتمدا اسلوبا تقنيا خاصا كمزيج من الواقع والخيال ، لينتج نصا بصريا اصيلا ينتمي بجذوره الى الموروث الاسلامي الحسيني الذي يشكل حيزا كبيرا من اسلوب الفنان الخاص وتكوينه ليحتل مساحة لائقة في خط التشكيل المعاصراليوم .

ولد ونشأ قديريان في طهران ، اذ حصل على شهادته الاولية من كلية الفنون الجميلة بجامعة طهران ، ليواصل دراسته في نفس الجامعة حتى حصوله على درجة الماجستير في الفن ، احب الرسم منذ الطفولة وتطورخلال دراسته ، عمل في المجالات الفنية المختلفة كالسينما والمسرح بصفة ماكييرثم مصمماً للديكور والازياء فضلاً عن الاضاءة والانارة مما زاد من خبراته اللونية في مجال الرسم ، شارك في اكثر من اربعين معرضا للفنون التشكيلية بين شخصي ومشترك فضلا عن الكثير من الأعمال الفنية المتفاوتة بين الرسم والنحت وفنون اخرى .

سلط الفنان في هذه اللوحة الاضواء كعادته نحو مظلومية ابي عبد الله الحسين ومعيته " عليه السلام " في كربلاء  مصورا لحظات انشغال الحسين وعياله واصحابه بصلاة الليل قبل طلوع ضوء النهاروحلول الفاجعة الاليمة التي المت بهم ، والطفل الرضيع يبدو كأنه وحيدا مستقرا بمهده بين الخيام ليلة عاشوراء يجدد البيعة لأبيه " حسب رؤية الفنان " برفع يده ابتهالا الى الله تعالى  ، جاعلا المتلقي يستشف من تأمله لمكونات اللوحة الشكلية والهيئة التي صور بها علي الاصغر ( ان كل من حضر الطفوف في مخيم الحسين كان له دورا في نصرته " عليه السلام " ) وان كان رضيعا في المهد ، تاركا تقدير مجريات اللوحة الاخرى للمشاهد من خلال انتقاءه للالوان وتصويره لشخص السيدة زينب عليها السلام وبعض النسوة الاخريات في احدى الخيام التي اتى بها قديريان لتكون عمقا منظوريا مميزا للوحة ، فضلا عن تصويره لجزء فرس واضح الى يسار اللوحة والغبار يتصاعد بالقرب منه كأنه متأهب للمعركة ، ليخلق بذلك موازنة واضحة بين العناصر المكونة للوحة ، تاركا السماء بزرقتها المميزة لتمثل فضاء اللوحة وخلفيتها التي اتت هي الاخرى بتعابير رمزية خلقها الفنان من امواج مخيلته الثرة ، ممثلا ذلك بالانوار التي تنبعث من السماء لتغطي مخيم الحسين بفيض اللطف الالهي ، ومن المثير للأهتمام في هذه اللوحة ان الفنان قد استخدم اللون الرمادي مجاورا للون البني وهذه الالوان بتقاربها توحي بالعتمة عادة ولكن خبرة الفنان ومهارته في استخدامها جعلت الرسمة تعطي انطباعا شفافيا واضحا ليعيش المشاهد اجواءها الروحية المبتغاة .

 استطاع الفنان في سلسلة اللوحات التي تنتمي لها هذه اللوحة ، أن يوظف مخيلته وجعلها تلعب دوراً فاعلاً في توسيع دلالات واقع الطف المريرمحاولة منه لنقل بعض تلك الوقائع وفهمها بدقة ، حيث تعجز الأفكار والمقولات العقلية عن هذا الفهم ، فاللوحة الفنية هنا تشتغل من خلال استعارات فنية من حدث واقعي ، يتفحصها الذهن لإعطاء حلول مناسبة لعملية البناء الفني والإمكانيات الروحية التي تحملها في طياتها ، حيث جعلت من الأداء الفني مرتكزاً لتحرير اشكالها من الأسس المقيدة للخيال وتقربه من أسس فطرية روحانية ترتبط  بحدود عميقة في الذاكرة وهي تسعى لتعزيز البنية المتكاملة للصور الذهنية والجمالية بما ينسجم مع عفوية الفنان وذاته الصريحة في هذا العمل الفني والاعمال الاخرى من ضمن هذه السلسلة ، وهي تستعيد وتستعير ذات الوقت من الماضي امتدادات لتكييف عناصر اللوحة مع الصورة التخيلية المنتزعة من قلب الحدث في ليلة من ليالي عاشوراء الاول .

من هذه الرسمة واخريات استطاع الفنان أن يبين للعالم فضاعة الحكم الأموي اليزيدي السفياني في تبنيه الإرهاب ضد الطفولة وضد الإنسانية في كربلاء ، وما تعرض و يتعرض له الاسلام على يد القوى الظلامية من أعداء البشرية وأعداء الإسلام وأعداء الرسالة المحمدية وأهل البيت عليهم السلام ، خصوصا ما تجلى من ظلم ووحشية ضد الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه وطفله الرضيع ، فسلام على الحسين ، وعلى علي بنِ الحسينِ ، وعلَى أولاد الحسينِ ، وعلى أصحاب الحسين وكل من بذلوا انفسهم ومهجهم دون الحســـــين " عليه السلام " .

 

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

 

المرفقات