أبت الروح إلا أن تحلق بعيدا في سبرالملكوت لتطير فوق سماء الوقت ، متوغلة في غياهب الدجى ولجج البحار الواسعة لتعود حاملة ذكرى اعظم فاجعة مرت على المسلمين بعد فقد نبيهم " صلى الله عليه وآله " بإستشهاد من استقى عروقه من منبع النبوة ، وتغذت شجرته من نبع الرسالة ووحيها ، ليكون للمسلمين دليل الهدى والمُنجي من الردى ، ذلك هو النورالزاهر والبدرالمنير، يعسوب الدين ونفس النبي الأمين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام ".
استبشر الناس بحلول شهر رمضان من عام أربعين للهجرة النبوية ولايعلمون ما يضمرلهم من الاحزان والاحداث الاليمة التي باتت تتهاوى على رؤوس المؤمنين شيئا فشيئا على يد اعداء الله والانسانية ، فبعد انتصارامير المؤمنين في غزوة النهروان وحلول شهررمضان المبارك ، خطط نفرمن الخوارج لقتل امير المؤمنين عليه السلام فضلا عن معاوية وعمرو بن العاص ليُنصبوا إماما وخليفة للناس يرضون حكمه غير علي "عليه السلام "، فقد رأوا أن من الواجب قتل الامام علي لما يشكل من خطراعلى الخوارج بفتوحاته وانتصاراته المستمرة ، حتى تعاهد أشقى الأشقياء عبد الرحمن بن ملجم المرادي ( لعنة الله عليه ) ورجلين اخرين على قتل الثلاثة ، على أن توكل مهمة قتل الإمام علي " عليه السلام " وإطفاء شمعة حياته لأبن ملجم عليه اللعنة .
اقبل ابن ملجم الى الكوفة فلقي بها أصحابه وكتمهم أمره وطوى عنهم ما تعاهد به مسبقا وأصحابه من خوارج مكة من قتل أمير المؤمنين "عليه السلام " مخافة أن ينتشرخبره ، وجعل يخترق ازقتها فانتهى به الطريق إلى محلة بني تميم ليزور رجلا من أصحابه فوجد عنده اللعينة ( قطام بنت الاخضر) فرق لها قلبه وشغف بها ، حتى علم من اخبارها انها تطلب الثأر لأهلها الذين قضوا على يد امير المؤمنين " عليه السلام " في غزوة النهروان ضد الخوارج ومنهم ابيها وعمها واخيها ، فطلبها للزواج والاخذ بثأرها ، حتى اشترطت عليه قتل علي بن أبي طالب "عليه السلام" كمهر لها .
فاستجاب لها اللعين على ان تمده بالعون فبعثت لنفرمن بني تيم الرباب ، فخبرته وسألته معاونة ابن ملجم، فتحمل لها ذلك ، واتى ثالث من اصحاب ابن ملجم فلم يزل حتى اجاب بالقبول ومد يد العون في هذا الامر، ولم تكن إلا اياما حتى كانت ليلة التاسع عشر من رمضان اولى ليالي القدرالمباركات التي عظمها الله وخصها بفتح ابواب السماء وقبول الاعمال واستجابة الدعاء ، ليتربص اللعين الغفلة ويتحين الفرصة المثلى للغدر بأمير المؤمنين "عليه السلام "عند صلاة الصبح .
جعل امير المؤمنين " عليه السلام " في تلك الليلة يعاود النظركثيرا في السماء، ويقول ... والله ما كذبت ولا كذبت،وإنها الليلة التي وعدت، فلما طلع الفجر شد إزاره وهو يقول :
أشـدد حيازيمك للمـوت...فإن الموت لاقيكا
ولا تجـزع مـن المـوت...وإن حــل بواديكا
فاقبل عليه السلام إلى المسجد فصلى نافلة الصبح ، ومالبث ان اعتلى المئذنة فأذن ، فلم يبق في الكوفة بيت إلا وسمع صوت اذان أمير المؤمنين "عليه السلام "، ثم نزل عن المئذنة وهو يسبح الله ويقدسه ويكبره و يكثر من الصلاة على النبي "صلى الله عليه وآله" وكان يتفقد النائمين في المسجد وينادي .. الصلاة، الصلاة يرحمكم الله حتى وصل إلى ابن ملجم وهو نائم على وجهه والسيف من تحته ، منبها اياه ان ..قم من نومتك فإنها نومة يمقتها الله، وهي نومة الشيطان وأهل النار.
حتى قال له عليه السلام " لقد هممت بشيء تكاد السماوات أن يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، ولو شئت لأنبأتك بما تحت ثيابك " ، فتركه واتجه إلى المحراب ليصلي فقام الشقي وأقبل مسرعاً حتى رفع امير المؤمنين "عليه السلام " رأسه من السجدة الأولى ليشد عليه اللعين ابن ملجم بضربة على هامته ليتركه يخور بدمه في محرابه وهو يقول " بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله" ثم صاح " عليه السلام " بصوت مرتفع " فزت ورب الكعبة "، فنادى جبرائيل في السماء " تهدمت والله أركان الهدى " .
السلام على المضروب بالسيف على رأسه الشريف ..السلام على المغدور ظلما وعدواناً ..السلام على وصي رسول الله ..السلام على قسيم الجنة والنار..السلام على امام الإنس والجان ..السلام عليك يا أميرالمؤمنين ورحمة الله وبركاته .
سامر قحطان القيسي
اترك تعليق