استخدم الكثير من الفنانين في لوحاتهم القباب الذهبية كأشكال مقتبسة من عمارة المراقد المقدسة لأهل بيت النبوة " سلام الله عليهم " تعبيرا عن الأجواء الروحية المقدسه التي تسودها وتذكيرا بمأثرهم وبطولاتهم وتضحياتهم العبادية في سبيل الله والدين والعقيدة ، وهذه اللوحة هي احدى تلك المنجزات الفنية التي تناولت في حيثياتها قبتي مرقد الامام موسى بن جعفر الكاظم والامام محمد الجواد " عليهما السلام " .
اللوحة بعنوان " القباب الذهبية " ، بابعاد 100*90 سم ، انجزت عام 2000م بتقنية الزيت على قماش الكانفاش على يد الفنان التشكيلي العراقي المغترب " سلمان عباس " عضو الرابطة الدولية للفنون التشكيلية التابعة لليونسكو في باريس ، الحاصل على شهادة البكلوريوس من اكاديمية الفنون الجميلة جامعة بغداد ، له العديد من المشاركات والمعارض في المحافل الدولية والمحلية ، فضلا عن حصوله على العديد من الجوائز ومنها جائزة الشراع الذهبي في معرض السنتين العربي .
مثل سلمان العراق في المحافل الدولية من خلال لوحاته وابداعاته التي وشحت في الغالب بالتراث المحلي بخطوطه وزخارفه ونقوشه المختلفة المميزة التي صاغها بلكنة قصصية تشكيلية بتقنياته المختلفة التي نفذ بها اغلب لوحاته .
استخدم الفنان القبة كتكوين اساسي لتشكيل الكثيرمن موضوعاته الانشائية ووظفها كوحدات زخرفية جمالية متنوعة ، فابدع بتشكيل موضوعات ذات قيمة فنية رائعة ، عمد فيها لدمج الزخارف بالمنظور واضاف عليهما الموروث الشعبي والوان البسط البغدادية ونقوشها فضلا عن الروحانية التي تتصف بها القبة من خلال رمزيتها في الجوامع والاضرحة الدينية المقدسة كما هو الحال في تشخيصه لقبتي الامامين الجوادين في مدينة الكاظمية المقدسة في بغداد .
في هذه اللوحة ينطلق سلمان بتكوين فني يتألف من مساحتين طوليتين يفصلهما فضاء ضبابي ابيض، تضم المساحة في الجهة اليمنى شكلاً لقبتيـن ذهبيتين يبدوا انهما تمثلان مرقد الامامين الجوادين "عليهما السلام " في بغداد وضعتا في الربع الأسفل للوحة "جعلهما الفنان يمثلان عنصر السيادة شكلا ولونا في تكوين المنجز" ، تقعان فوق مجموعة من المسطحات اللونية المتجاورة نفذت بأسلوب زخرفي هندسي ، فيما كان أعلى المساحة وتحديداً في الربع الأعلى من جهة اليمين قد ضم شكلاً لقبة ذهبية بلون باهت تركت ظلها بحجمها في الجهة اليسرى ، والى الخلف منها مساحة ضمت أشكالا لبوابات وشبابيك إسلامية تراثية مقوسة مزدحمة بتكوينات زخرفية متداخلة مع بعضها البعض كما في البيوتات البغدادية القديمة ، كما نلاحظ وجوداً لأشكال معينيه فيروزية اللون وبجنبها هلال بنفس اللون،اما الجانب الايسر من اللوحة فقد احتوى في أسفله حدوداً على شكل قبة تضم بداخلها تكوينات زخرفية لأشكال هندسية متداخلة فيما بينها ، في حين كان اعلاها اشكالا مشابهة للتكوينات الفنية في المساحة المقابلة لها جهة اليمين .
مثل التكوين العام لهذ المنجز الفني نوعاً من الاستقرار ، حيث نفذ بواقع مساحتين مستطيلتين متوازيتين طوليا ضمت مفردات المشهد داخل اطار اللوحة المربع الشكل ، وزعها الفنان بحرفية بشكل متوازن على جميع مساحة المنجز، فنلمس التساوي بين جهتي اللوحة ،فضلا عن موازنته لاشكال القبتين مع شكل القبة الزرقاء اسفل الجزء الايسر التي ضمت تكوينا زخرفيا متراكبا بداخلها .
استخدم سلمان الألوان بأسلوب التشخيص لبعض الأشكال الرمزية مستثمرا ضربات الظل والضوء في أشكال القباب الذهبية ،مختزلا مجردا باقي الاشكال من هيئاتها وملامحها ، فقد شغل فضاءات اللوحة باللون الابيض الضبابي ليجعله محيطا بالمشهد متغلغلا في وسطه طوليا ، فيما تواشجت باقي ألوان المشهد وانسجمت من حيث توزيعها لتتباين بين أصفر ذهبي وأزرق وفيروزي فضلا عن استخدام الفنان للون البني الغامق وقليل من الأحمر والبرتقالي المستخدم في التكوينات الزخرفية .
لقد تبلورت طروحات الفنان من خلال توظيفه للرموز الإسلامية كأشكال القباب والأبواب الإسلامية وتكويناتها الزخرفية وعبرالمزاوجة بين الشكل والمضمون في اللوحة ، ليحملها مضامين دينية واجتماعية وثقافية يفصح عنها بتكوينات وتقنيات جديدة ، يعبر عنها بواسطة انفعالاته التي ترجمها الى رموز وتكوينات زخرفية وخطوط رمزية احتلت أماكن كثيرة في المشهد ، محاولابذلك التعبير عن جذوره الواقعية وارتباطه بتراثه مع حفاظه على الجانب الجمالي الذي تتحلى به أشكال الرموز الإسلامية بطريقة يسترجع بها المتلقي اسلوب الفنان المسلم في زخارفه الإسلامية الاولى بأستخدامه الاشكال الهندسية كالمربعات والمثلثات والدوائر التي وزعها على بعض مساحات المشهد لتفصح عن انفعالات الفنان النفسية وهواجسه وأفكاره بطريقة معاصرة مشحونة بأجواء روحية إسلامية.
سامر قحطان القيسي
اترك تعليق