شَرفَ البيت العتيق وزادت أمه الكريمة فخرا بمولده ... همام أسبغ الأكوان نورا بمولده بعد طه صار خير الخلق عبدا ووصي ..هو يعسوب الدين ووارث علم النبيين ، هو الايمان وكلمة الرحمن هو ميزان الاعمال وسيف ذي الجلال وساقي سلسبيل الزلال ، ذلك امير المؤمنين وقائد الغر المحجلين اسد الله الغالب علي بن ابي طالب " عليه السلام " .
شاءت إرادة العلي القديران يُقبلَ يوم الثالث عشر من شهر رجب الاصب وتكون الكعبة الشريفة على موعد لتزداد شرفا بمولد سيد الاوصياء علي بن ابي طالب " عليه السلام " بين جدرانها ، حينما التجأت فاطمة بنت اسد الى البيت العتيق وجلة مستجيرة بالله من شدة مخاضها ، رامقة السماء بطرفها متضرعة لله تناجي .." يا ربِّ ، إنِّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإنِّي مصدِّقة بكلام جدِّي إبراهيم وأنَّه بنى البيت العتيق ، فبحقِّ الذي بنى هذا البيت وبحقِّ المولود الذي في بطني الا ما يسرت عليَّ ولادتي " ، وما إن انتهت من كلامها حتى انشق لها جدار الكعبة ، ونوديت بنداء خفي " أن يا فاطمة ادخلي بيت ربك " فدخلت وارتأب الصدع من وراءها تاركا اثرا ليدل على تلك الكرامة والولادة الميمونة في جوف الكعبة .
وضعت فاطمة وليدها على الرخامة الحمراء الكائنة بين الباب والركن اليماني ، وساعدها في الولادة بامر الله ، حوّاء ومريم بنت عمران وآسيا بنت مزاحم وأم موسى " عليهن السلام " ، وقد خر ساجدا " عليه السلام " بعيد ولادته وهو يقول " أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، تُختم به النبوة وتُختم بي الوصية ".. حتى تلاقفته ايدي مريم بنت عمران " عليها السلام " وضمخته بطيب الجنة ، وتناولته من بعدُ آسيا بنت مزاحم ولفّته بثوب من الجنة ، حتى انشق نفس الركن من الجدار بعد مضي ثلاثة ايام من دخول فاطمة لتخرج حاملة وليد الكعبة علي بن أبي طالب " عليه السلام " وهو ملفوف بثوب من الجنة و مضمخ بطيبها بامر من الله .
تمثل هذه اللوحة الفنية رفيعة المستوى مشهدا أثيريا جاء به الفنان كتشبيه لخروج السيدة فاطمة بنت أسد "عليها السلام " من الكعبة المشرفة بعد ولادتها أمير المؤمنين علي " سلام الله عليه " ومن حولهما تصوير تشبيهي للملائكة الحافة بالبيت الحرام والتي كانت تحتفل وتنثر الورود وتتشرف بهذا المولود المبارك فضلا عن ، تشبيه لبعض نسوة الجنة الحاضرات بأمر الله ممن ساعدن فاطمة بنت اسد في وضع وليدها ، ويظهر من خلفها الشق في جدار الكعبة الذي مازال اثره قائما الى الان كآية من آيات الله التي تؤكد عظمة هذا المولود وتثبت بالدليل والبرهان مظلومية أمير المؤمنين بعد ممات الرسول الاكرم " صلوات الله عليه واله " ومخالفة وصيته من بعده بالولاية لعلي " عليه السلام " .
اللوحة من ابداع رائد فن المنمنمات المعاصرالدكتور " محمود فرشجيان " نفذت بالوان الاكريلك على الورق المقوى بابعاد " 56*81.5 سم " تعتبر احدى روائع فن المنمنمات الاسلامية في وقتنا الحاضر، حقق فيها الفنان الفرادة في الموضوع والشكل والمعالجة حتى صلت حد الدهشة للمتلقي ، رسمت بدقة شديدة ومزيج من الالوان المتجانسة حقق فيها الفنان حركات هادئة مختلفة كاسباً اياها عمقا تعبيريا مؤثرا .
الناظرالمتأمل لهذه اللوحة لا بدّ و أن يتخيّل أن الفنان وهو يرسم كان يحاول النفاذ إلى ادق تفاصيل هذا الحدث العظيم
حيث تميزت هذه اللوحة بالديناميكية الدقيقة في معالجة الاشكال والاجواء على السطح التصوري والتي عكست الطابع الهادئ للحالة النفسية للفنان بتأثره واعتقاده المطلق بأهل البيت "عليهم السلام " وبالخصوص ولادة امير المؤمنين " سلام الله عليه " ، والتي دفعت به للتعبير عن رؤيته الذاتية بشعوره بالفرح والغبطة ومن ثم ارتسامها على اجواء اللوحة وروحيتها بشكل مميز ، وهذا ما انعكس على خطوط اللوحة اللينة والوانها الهادئة ومن ثم شكلها النهائي المميز بالصقل والنعومة والاشكال الشبه دائرية في بعض جوانبها .
موضوعية الحدث في هذا السطح التصويري تمتزج مع البنية الذاتية الواضحة عند فرشجيان ، وفي الوقت نفسه كانت ألوانها تتسم بالحيادية الغامقة والفاتحة لتتناسب مع تلك المعالجة الذاتية ، أما خطوطها التي تخدم الموضوع والأسلوب " فن المنمنمات " فكانت الخطوط المستقيمة والقوسية اللينة والشبه دائرية في علاقة مع خطوط طيات الملابس المنحنية والتي تتماشى مع دلالات اللوحة وموضوعها الروحي المقدس ، وعكست الفضاء المنظوري من خلفها من خلال امتداد لون الزهور والاجنحة الملائكية في محيط الشكل الرئيسي المتمثل بالوليد وامه " عليهما السلام " واندماجه مع الخلفية المتمثلة بجدار الكعبة .
طرحت اللوحة الفنية رؤية الفنان الروحية الذي امتزجت فيها مجموعة من الخبرات الفنية الاكاديمية مع نشأته وماتوارثه من عادات وتقاليد وعقيدة دينية خالصة ، ظهرت بشكل جلي في المعالجة الفنية الذاتية لاجزاء اللوحة والبنية التأويلية الدالة بوضوح على تطلعات الفنان للأمل ورؤيته وعاطفته الحياتية بتمسكه بعقيدته وايمانه بولاية امير المؤمنين علي بن ابي طالب " عليه السلام " ، فمن المؤكد ان الذي يدافع عن حبه ومعتقده بفكره وفنه فهو يترجم ثبات عقيدته وايمانه ويصل بهما إلى مصاف السمو والرفعة والرقي ، وهذا ما ميز اغلب اعمال فرشجيان ، في محاولاته لترجمة معتقداته وافكاره لتكون ارثا قصصيا صوريا تتناقله الاجيال المتعاقبة فيما بعد .
سامر قحطان القيسي
اترك تعليق