دماء روت رمضاء كربلاء

تحت حرارة الشمس المحرقة وعلى رمضاء كربلاء استمرت مظلومية الحسين "عليه السلام " واصحابه وبنيه بعد معركة الطف ، فبعد ان أقام عمر بن سعد " لعنة الله عليه " يوم عاشوراء الى غده ، جمع قتلاه الذين قضوا علي يد الحسين واصحابه وصلى عليهم ودفنهم ، و بقي جسد الحسين " عليه السلام " واجساد معيته من مواليه واهل بيته مطروحة بلا دفن لثلاث ايام متتاليات ، حتى طويت الارض بمعجزة الهية لإمامنا علي السجاد " سلام الله عليه " وحضر من الكوفة  لدفن اجساد الشهداء ومواراتها الثرى ، بعد تهيب وحيرة بني اسد من دفنها كونها مقطعة الرؤوس وقد غيرت حرارة الشمس ملامحها .

أمر الامام زين العابدين عليه السلام الحضور من بني اسد بشق حفرة في الارض بعدما خط موقعها بيده ، لدفن نيف وسبعين من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام ، الى جوار جسد ابيه الحسين عليه السلام الذي واراه والرضيع يتوسد صدره وعلي الاكبر عند قدميه ، ليصبحوا سلام الله عليهم قبلة للزائرين وملاذا للخائفين .

  وثق الكثير من المؤرخين والرواة هذه الاحداث الاليمة التي تصور دفن الجثث الطاهرة بعد معركة الطف في العاشر من محرم الحرام عام 61هـ  وبشتى انواع الوثائق ، وهذه اللوحة الفنية احدى تلك الوثائق التي تنطق مكنوناتها بمظلومية الحسين عليه السلام وما لحق به وعياله ومواليه من اذىً على ايدي المارقين من بني امية واتباعهم .

هذا التكوين الفني من اعمال الفنان التشكيلي الايراني الشاب "حسن روح الامين" ، وهو جزء من سلسلة لوحات فنية عرضت مجتمعة في احدى المعارض التشكيلية المشتركة في ايران ، اختصت  بمحاكات قضية الحسين عليه السلام ومسيره الى كربلاء وصولا للسبايا وماحل عليها في الكوفة والشام .

في هذه اللوحة يصور روح الامين لحظة دفن الجسد الشريف لعلي الاكبر " عليه السلام " وهو محمولا على قطعة قماش كبيرة مخضبة من دماءه السائلات من اوصاله التي قطعتها سيوف الظلم الاموية  .

من مميزات اعمال الفنان حسن روح الامين ، اختلاط تقنياته الكلاسيكية (( المكتسبة من تأثره الواضح باساليب الفن الاوروبي الكلاسيكي ))، برؤية متجددة للمشهد التاريخي ، مما زاد من جاذبية اعماله وجماليتها ، فهو يمتلك ريشة مهذبة وأحساسا مرهفا ممزوج بحب محمد واله " عليهم السلام " وذو ذوق رفيع تنتج عنه لمسات مبدعة ، ادت الى اكسابه خبرة أصيلة وتقنية عالية في تصوير الاشكال .

نفذت العناصر المكونة للوحة باحتراف ووضوح عاليين ، وبرزت فيها العديد من المتناقضات في الشخصيات و الاجواء وبارتباطات تأريخية وروحانية مختلفة ، فيبدو جليا للمتامل للوحة ان الفنان اعتمد في اظهار شخصيات العمل على الروايات التي تذكر حضور بعض الأئمة والانبياء و بعض الولاة الصالحين حين استشهاد الحسين عليه السلام واصحابه ودفن اجسادهم الطاهرة .

 فنلاحظ في اعلى وسط اللوحة شخصية تتمثل للرائي كأنه السيد المسيح " عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام "، يقابله في اقصى يسار اللوحة شخصا اخر يبدو انه يمثل سيدنا الخضر "عليه السلام " ، هذا فضلا عن وجود الجنود الى الخلف من شخوص العمل الرئيسية وارتفاع الاتربة في الافق البعيد المظلم ، وكأنه يعطي ايحاءا بأن جيش ابن سعد اللعناء مازالوا في ارض المعركة وهي مستمرة .  

شغل الفنان اغلب فضاءات اللوحة بالالوان وامتد برسمته وفق أسس البعد الثالث ليعطي عمقا منظوريا بارزا للرسمة ، مستثمرا بذلك خلفية اللوحة " المتمثلة بالخيل والجنود والاجواء المتكدرة " ليترك ايحاءا لدى المتلقي بمدى هول تلك المصيبة التي ألمَت بالحسين عليه السلام وعياله واصحابه ومدى عظمها لدى الله عز و جل .  

نفذت هذه اللوحة بالأسلوب الكلاسيكي في الرسم كما كان سائدا بين الفنانين في الماضي ، وكأن الفنان يحاول تطبيق احدى القواعد الوضعية للفن  بأن " الاعمال الكلاسيكية هي التي تبقى خالدة " ، كيف لا ؟ وهذه اللوحة تحاكي وجدان وضمائر احرار العالم ممن نادو بأسم الحسين عليه السلام وهو الخلود بعينه . 

  

سامر قحطان القيسي 

المرفقات