تميز الفن التشكيلي عن باقي انواع الفنون الاخرى بدقته في نقل وتصوير الاحداث التأريخية والدينية كونه وعاء تنصب فيه جميع الأفكار والتخيلات والمعطيات الإبداعية وسجلا يؤرخ الكثير من الأحداث والمواقف لنقلها عبر الزمن للاجيال المتعاقبة ، وقد نجح في ايصالها فعلاً ، فلو امعنا النظر في بعض الاحداث التأريخية والدينية المهمة كمعركة عاشوراء الخالدة ومقتل ابي عبد الله الحسين عليه السلام واصحابه ، لوجدنا ان الفن التشكيلي قد لعب دوراً بارزاً في التعبيرعنها وايصال مضمون رسالتها وتصوير تلك الظليمة التي لم يشهد التاريخ الإسلامي مثيلاً لها .
في هذا العمل الفني يصف الفنان مشهدا درامياً تاريخيا ذي بعد انساني عميق مثير للحزن والمشاركة الوجدانية لحدث غاية في الاسى والالم وهو لحظة استشهاد أبي الأحرار الإمام الحسين بن علي عليهما السلام والاعداء يحيطون به من كل جانب وتلقيه طعن السيوف والرماح وحوافر الخيل تهشم تلك الاضلاع المقدسات .
نُفذ هذا التكوين الفني بريشة الفنان التشكيلي الايراني ( حسن روح الامين ) نحا في تشكيله منحا واقعيا ويتضح هذا من الشكل العام ومعالم الوجوه التي اكتنزت تلك المأساة ، ولد روح الامين جنوب طهران عام 1985 احب الفن ومارسه منذ الطفولة في كنف اب يمتهن النجارة ، درس الفنون في الاعدادية المهنية حتى انتقاله الى الاجواء الاكاديمية في كلية الفنون الجميلة جامعة كرمان في ايران.
استعان الفنان على رسم هذه الفاجعة بدراسته لتاريخ واقعة الطف وتتبع الروايات التي ذكرها الائمة صلوات الله عليهم ونقلها رجال الدين الى الملأ عن طريق المنابر الحسينية فضلا عما ذكره بعض رجال الدين ممن شاهدوا واقعة الطف في عالم الرؤيا وبالخصوص احداث العاشر من محرم .
نلمس في اللوحة نوع من التمازج الموجه بين الواقع والخيال، في فعل أدائي مزدوج باستجابة معرفية ووجدانية تتمثل باستلهام التعبير الديني للكشف عن بناءات في مستوى معرفي, وإظهار سلطة العقل التي فرضته طبيعة الرؤيا التخيلية للفنان تجاه هذه اللحظة وما نتج عنها من صور وأشكال واقعية وأحاسيس متخيلة وفي نفس الوقت نلمس وجود تدخل عقلي في صميم اللوحة متمثل بالوعي في إدارة تشكيل وتصميم أجزاءها كاشفاً بذلك عن عالم مستقل فيه تأمل لذات الرسام المتالمة من وقع المشهد والاستغراق في التمعن في الخيال الكامن في نفس الفنان وثقافته الفنية والتاريخية والواقع المتمثل بهذا الحدث, مما أعطى للأشكال صفة تعبيرية متصلة بجوهريه الموضوع في استشهاد الإمام الحسين عليه السلام فتكوين اللوحة كلها مجسد من خلال حركة الألوان، وبالاعتماد على قدرة الانطباع في توليد شكل منفرد ، وتكوين رغبة للفنان في تصوير حركات تنسجم مع حركة الضوء والنورانية المنبعثة من الجسد الشريف وما يتركه من اثر في تغيير مظاهر الأشياء وحيويتها ، كما عالجها في محاولته هذه بسلسلة من الإيقاعات والنقلات المفاجئة باللون وحركة وايماءات الاشخاص ومما زاد في تأثيرات الإيقاعات البصرية هي الإشكال وحركة الاضواء في عمق اللوحة فزاد العمق لأجل خلق تأثيرات مختلفة من الظل والضوء .
منح الفنان الضوء معنى ومفهوما خاصا في لوحته فجعله كقطعة جميلة من النور تتناغم بسببها الوان اللوحة رغم الاسى الذي نتحسسه من مجريات هذا الحدث، مبينا من خلاله ملامح وجوه الطغاة تلك التي مسخها الله واحالها الى وجوه للشياطين مرتسمة بالذعر والخوف من ذلك النور الالهي محاولين بلا جدوى اطفاءه ولم ولن يفلحوا " يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " .(8) سورة الصف
سامر قحطان القيسي
اترك تعليق