استقطبت قضية الامام الحسين عليه السلام ومشاهد الطف الاليمة الكثيرمن الفنانين وحفزت عامل الابداع لديهم ليترجموا ملاحم جمعت بين الحزن والامل تارة وبين التضحية والفداء تارة اخرى في لوحة واحدة بامكانها الايحاء بما تعيى دونه كل القصائد والاشعار فالنقطة التي تنتهي عندها أحرف الاديب تنطلق منها ريشة الفنان ، وهذا لسان حال هذه اللوحة التي تجسد مشهداً من معركة الطف الخالدة رسمها الفنان التشكيلي والشاعرالعراقي المعاصر ( عباس العلاق ) مستخدما لانجازها الزيت وقماش الكانفاس وقد اختيرت ضمن مقتنيات العتبة الحسينية المقدسة .
استغرق العلاق قرابة الشهرين لانجازهذا السطح التصويري والاقتراب من توصيف الواقعة فقد صُمِّم المشهد ليهيمن على فكرالمتلقي ويؤثرفيه ويجذبه ليعيش ذلك الواقع الاليم ، فضلا عن توزيع الفنان الشخصيات المكونة للوحة بحرفية عالية ليخلق رؤية واضحة ومؤثرة عن المعركة .
صورالفنان مشهدا واقعيا من المعركة ممثلا فرس الحسين عليه السلام في دفاعه المستميت عنه وهو محاصر من قبل جيش عمر بن سعد ، وعلى الرغم من المخيلة التي تملكت الفنان اثناء انجازه اللوحة والتي تبدو جلية في تكوينها لم يستطع رسم شخص الأمام الحسين عليه السلام لصعوبة تصوره واقعا على الأرض مضرجا بدمائه وإنما إشار الى الفرس في وسط اللوحة وصيره الشخصية المهيمنة على المشهد ، مما اكسبه الحضوركمركزلها عبرلعبة اللون والتضاد اللوني التي تميز بها اسلوب الفنان في تنفيذ اللوحة .
الخطوط المشكلة لتكوينات المشهد تبرز اشكالا مثلثة ذات تركيب هرمي مؤكدا من خلالها قيمة شخصيات اللوحة وبالخصوص حركة الفرس وهو واقف على قوائمه الخلفية معززا ذلك باللون الابيض المصطبغ بحمرة الدماء والتدرجات الهادئة بين البني الغامق من لون السرج والفاتح من الاتربة المتصاعدة من ارض المعركة .
نلاحظ ايضا ان هناك تغيرات في تفاصيل اللمسة الفنية اتبعها الفنان داخل اللوحة بخطوطه الدقيقة والوانه المميزة القريبة من الواقع فهي تتغير حسب مساحات اللوحة ،حيث رسم الشخصيات بواقعية وبدقة بينما رسم الخلفية من سماء وغبار ودخان اتصالا بخط الافق بلمسات حية لاعطاء انطباع الحركة والضبابية بما يعكس الاضطراب والحرارة والاحتدام لمشهد المعركة فضلا عن اكساب اللوحة عمقا مميزا كشف به الاعداد الكبيرة من جند بني امية لعنة الله عليهم .
وعندما نتمعّن في اللوحة لا يمكن إلا أن تلفتنا براعة الفنان ودقته في تحويل كتل اللون إلى ظل وضوء ووهج واقعي تنبثق منه ألوان متناغمة تتشكّل منها ملامح الاشكال كالفرس والوجوه وتفاصيل الملابس والسيوف وغيرها من الأشياء والتفاصيل المكونة للبنية الكلية للوحة ، حيث يكاد الناظر الى اللوحة ان يشعربحرارة الجوّ ويشمّ رائحة الغبار المتصاعد من ارض المعركة ويسمع وقع خطوات الخيل والعساكرمن جيش الطغاة ويلمس مدى خوفهم وحذرهم وهم يهمون لقتل ابي عبد الله الحسين عليه السلام
وبذلك استطاع عباس العلاق التوفيق بين الشكل والمضمون من خلال مجريات هذا التكوين الابداعي وشخوصه بتوظيف ملكته الشعريه بحنكة ودراية واسقاطها بريشته الفنية على سطح اللوحة التي كشفت عن ألوان ناضجة معبرة دفعت باللوحة لتنزاح تدريجيا كاشفة عن لحظة إنسانية مأساوية حقيقية يخفق لها قلب الناظر ويندمج باحداثها ويعايشها .
سامر قحطان
اترك تعليق