بقلم / حيدر الجراحكيف رسم الحسين بفرشاته تلك اللوحة التي توّجها بلون الدم القاني؟ وكيف استطاع أن يرسم على الرمال تلك الدروب التي تقود خطانا منذ القرن الأول للهجرة وحتى الوقت الحاضر وإلى سماع الصيحة؟وكيف وظّف الشعراء تلك اللوحة بخطوطها وانحناءاتها وألوانها في شعرهم منذ عام 61 هـ وحتى ديوان الشعر المعاصر؟ وكيف برز الرمز الحسيني وما يتعلق به كربلاء... وطف، وعاشوراء من خلال قصائد الشعر ومدن الكلمات والجراح؟منذ فاجعة كربلاء سجّل الشعر حضوره، واستطاع الشعراء تسجيل مواقفهم بعداً أو قرباً من تلك الفاجعة... وظهر لون جديد من الشعر عُرف بالمكتمات لعدم قدرة الشاعر على الجهر بهذا الصوت الشعري الجديد... لقد عبّر الشعراء عن رمز الفاجعة الأوحد ولم يعبروا بهذا الرمز فترى قصائدهم تسجيلاً لتلك الفاجعة بشخوصها وخيلها... وتسمع من خلالها صليل السيوف ومطاعن الرماح... وهذا اللون ساد فترات طويلة، وامتاز بمباشرته وتقديريته... أي أن هذا الشعر كان تأريخاً وتسجيلاً لتلك الحادثة المأساوية...لقد كان التراث والرموز التراثية في كل العصور بالنسبة للشاعر هي الينبوع الدائم للتفجير بأصل القيم وأنصعها وأبقاها، والأرض الصلبة التي يقف عليها ليبني فوقها حاضره الشعري الجديد، والحصن الذي يلجأ إليه كلما عصفت به العواصف فيمنحه الأمن والسكينة.في الشعر العربي المعاصر أصبح توظيف الشخصية التراثية يأخذ منحىً جديداً، وهو المنحى التعبيري الذي يحمل بعداً من أبعاد تجربة الشعر المعاصر... بعبارة أخرى أن تلك الشخصية تصبح وسيلة تعبير وإيماء في يد الشاعر يعبر من خلالها أو بها عن رؤياه المعاصرة...وهذا التوظيف للشخصية التراثية هو آخر الوشائج في علاقة الشاعر المعاصر بموروثه... وأصبحت ظاهرة التوظيف هذه شائعة في شعرنا المعاصر وسمة بارزة فيه...وكان التراث المستلهم هو هذه الأصوات التي سمعناها والتي استطاع الشاعر المعاصر من خلالها أن يعبر عن أفراحه وأحزانه، وأن يبكي هزيمته أحرّ البكاء وأصدقه وأفجعه وأن يتجاوز تلك الهزائم والفجائع في نفس الوقت بينما كان كل كيان الأمة ينوء منسحقاً تحت وطأتها الثقيلة وأن يستشرف النصر ويرهص به في أفق غامت فيه بيارق النصر...إن حالات الرفض التي استحضرها شعراؤنا ليواجهوا بها حيرة هذا الزمان واشتداد الطغيان فيه هي إشراقات الوعي والشهادة في سبيل الحرية... وإذا كانت هذه الرموز غائبة عن الرسمي من الكتب فإنها حاضرة في الوجداني من صدور الناس تمثل احتجاجهم على فشل الواقع في تحقيق زمن التنوير في نهضة يكون للفقراء والزنج والإمام الحسين وأبي ذر الغفاري فرصتها وعدالتها وقصائدها العظيمة.
اترك تعليق