الشبهة: تشييد قبور الصالحين حرام وشرك!

دارت في الاونه الاخيرة الكثير من الشبهات من قبل الوهابية حول المعالم الاسلامية واتهموا المسلمين بالشرك والكفر لتشييدهم قبور الصالحين من الانبياء والائمة عليهم السلام.

وبادئ ذي بدء يجب ان نفرق بين تشييد قبور الاولياء لاتخاذها مسجدا يعبد الله فيه وبين التعبد لذات القبر كما يفعل المشركين وهذا بعيد عن هذا فالمسلمين بشتى بقاع الارض يعبدون الله وحده لا شريك له وعلى مر العصور شيدوا قبور الاولياء لتكريمهم وجعلهم وسيلة الى الله تعالى .

وهنا سنتطرق لبعض شبهات الوهابية حول الموضوع.

الشبهة الاولى :

وهي اقدم شبهه تقريبا عن تشييد قبور الصالحين وقد تطرق لها ابن الكثير صاحب كتاب تفسير القران العظيم حين ذكر قوله تعالى (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا). قال: حكى ابن جريد في القائلين ذلك قولين: أحدهما: انهم المسلمون منهم  والثاني: أهل الشرك منهم, فالله أعلم والظاهر الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ ولكن هل هم محمودون أم لا؟ فيه نظر لأن النبي قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد) يحذر ما فعلوه.

الرد على هذه الشبهة:

اولا: الحديث لا يتناسب مع الاية الكريمه وذكر ابن الكثير له هنا بعيد جدا عن التفسير الصحيح للاية لان الله تعالى لم يذم من بنى عليهم مسجدا ولا ادري كيف غفل ابن الكثير ان علماء الاصول الاسلامي اتفقوا ان تاخير الحكم الشرعي عن وقت حاجة المكلفين له قبيح شرعا تعالى الله عن ذالك علوا كبيرا. فكيف تناسى ان ما ذكره يلزم رمي الجلالة بتاخير الحكم بل عدم ذم الفعل الخاطئ بنظره؟؟

ثانيا: ان الحديث بنفسه بعيد عن المعنى الذي يريده ابن كثير لان الحديث يدل ان اليهود والنصارى كانوا يعبدون اصحاب تلك القبور ويشركوهم مع الله تعالى في الربوبية والالوهية وهذا ما ذكروه كبار علماء اهل السنه منهم:

ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري (إن النهي إنما هو عما يؤدي بالقبر الى ما عليه أهل الكتاب وأما غير ذلك فلا إشكال فيه).

وكذا القسطلاني في كتابه ارشاد الساري (قال البيضاوي لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبياءهم تعظيماً لشأنهم ويجعلونها قبله يتوجهون في الصلاة نحوها وأتخذوها أوثاناً منع المسلمون في مثل ذلك فأما من اتخذ مسجد في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه – لا للتعظيم والتوجه اليه – فلا يدخل في الرعيل المذكور).

وايضا بدر الدين العيني في (عمدة القاري) : إن قوله(صلى الله عليه وآله) من باب قطع الذريعة لئلا يعبد صاحب قبر الجهال كما فعلت اليهود، وكره مالك بن أنس المسجد على القبور وإذا بني مسجد على مقبرة دائرة ليصلى فيه فلا بأس به.

وهذه شروح كبار علماء الحديث السنه وهو بعيد عن فهم ابن كثير .

ولو وافقنا ابن كثير جدلا في فهمه فإن أول من خالف هذا الحديث هم الصحابة الأوائل من المهاجرين والأنصار حيث دفنوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وسط البيت أي وسط بناء وضل المسلمون يشيدونه الى يومنا هذا فهل فهم الصحابة الاوائل عندهم كعمر وابي بكر والباقين وازواج النبي كما فهم ابن كثير وجميعهم عاصين لله تعالى ام ان ابن كثير رمى بسيرة الصحابة والسلف لانه لم يوافق هواه؟

الشبهه الثانية: وهي لما ورد في صحيح مسلم حديث أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب(عليه السلام): ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته وقبراً مشرفاً إلا سويته. واستدلوا بهذا على حرمة ابقاء القبور عالية ووجوب تسويتها بالأرض بالاجماع.

والرد على هذا :

اولا : ان المعاصرين من أهل العلم قالوا : لا يخفى من اللغة والعُرف أنّ تسوية الشيء من دون ذِكر القرين المساوي معه، إنّما هو جَعْلُ الشيء متساوياً في نفسه، فليس لتسوية القبر في الحديث معنىً إلاّ جعله متساوياً في نفسـه، وما ذلك إلاّ جعلُ سطحه متساوياً. ولو كان المراد تسوية القبر مع الأرض، لكان الواجب في صحيح الكلام أن يقال: إلاّ سـوّيته مع الأرض. فإنّ التسوية بين الشـيئين المتغايرين لا بُـدّ فيها من أن يُذكر الشـيئان اللذان تُراد مُساواتهما. وهـذا ظاهـر لكـلّ من يعطي الكـلام حقّـه من النـظر.

ثانيا: قال النبي الاكرم (من سن سنه حسنه فله اجرها واجر من عمل بها ) لقد بني قبل الاسلام وبعده على قبور الاولياء كقبر دانيال النبي في شوشتر وموسى (عليه السلام) في الجبل وباقي الانبياء في بيت المقدس فلما لا نرى اي اعتراض من النبي الاكرم على هذه السنن ؟ والحجر المبنيّ على قبر إسماعيل (عليه السلام) في مكه كان موجودا بحظور النبي (صلى الله عليه وآله) . بل أوّل مَن بنى حجرة قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) باللَّبِـنِ ـ بعد أن كانت مقوّمة بجريد النخل ـ عمرُ بن الخطّاب، على ما نصّ عليه السمهودي في كتاب " الوفا " ثمّ تناوب الخلفاء على تعميرهـا..

وروى التباني واعظ أهل الحجاز أنّ رسـول الله (صلى الله عليه وآله) قال للامام علي عليه السلام : " والله لَـتُـقْـتَـلَـنَّ في أرض العراق وتُدفن بهـا. فقلت: يا رسول الله! ما لمن زار قبورنا وعمّرها وتعاهدها؟ فقال: يا أبا الحسن! إنّ الله جعل قبرك وقبر ولدَيك بقاعاً من بقاع الجنّة . والكثير الكثير من الاحاديث موجودة بهذا الخصوص بل انها سيرة المسلمين منذ صدر الاسلام والى الان هذا الاجماع يغني من ذكر الاحاديث.

ثالثا: لا ادري من اين اتوا بالاجماع؟ مذهب الوهابية قام متاخرا وهم فئه قليلة من المسلمين فمن اين اتوا بالاجماع؟

رابعا: لو سلمنا بصحة بعض احاديث المنع فهي لا تدل على الحرمة لانها اخبار احاد ومتضاربة جدا مثلا هذا الحديث المذكور فغير تامّ في نفسه  فتارة يذكر عن أبي الهيّاج أنّه قال: " قال لي عليٌّ " كما في رواية أحمد عن عبـد الرحمن... وتارة يذكر عن أبي وائل، أنّ عليّـاً قال لأبي الهيّاج . ورواه عبـد الله بن أحمد في " مسند عليّ " هكذا: " لأَبعثنّـك في ما بعثني فيه رسول الله، أنْ أُسوّي كلَّ قبر، وأنْ أطمسَ كلَّ صنم ". فالاضطراب يسـقطه عن الحـجّـيّـة والاعتبار.

خامسا:إنّه من الواضح ان النبي ارسله لهدم قبور المشركين وهذا لذكره الصنم والتمثال في الحديثين ولا ادري هل يوجد في قبور المسلمين والانبياء اصنام وتماثيل كي ياتوا بهذا الحديث ويطبقوه على اهل الاسلام؟

وليـت شِـعري لو كان المقصـود  جميع القبور فاين كان (عليه السلام) ـ وهو الحاكم المطلق يومئذ ـ عن قبور الأنبياء التي كانت مشـيَّدة على عهده؟! ولا تزال مشـيَّدة إلى اليوم في فلسطين وسورية والعـراق وإيران، ولو شاء تسويتها لقضى عليهـا بأقصـر وقـت. فهل ترى أنّ عليّـاً (عليه السلام) يأمر أبا الهيّاج بالحقّ وهو يروغ عنه فلا يفعله؟!

وهنا لا يبقى مجال للشك ان الشبهات التي يثيرها الوهابية حول المسلمين بالاخص الشيعه منهم لا اساس علمي لها بل ما هي (الا كلمه هو قائلها).

الكاتبة: نور المياحي

المرفقات