قال تعالى: {يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} . البقرة : ١٨٣ .
خص الله تعالى خطابه الشريف الانسان واعطاه صفة الايمان لما لهذه الصفة من تلازم بين الحقيقة الانسانية والايمانية ، لانه مركب من الروح والمادة ، اي مركب من صفتين مادية (بهيمية) والصفة الروحية (الملائكية) جامع للوصفين خارج عن البهيمية المادية والروحية الملائكية ، ولهذه الخصوصية كان خطاب الصوم موجه له ، فقال تعالى : {يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ...} ، ابانة لفضلهم واعلاء لشأنهم ، واظهارا لقوة الارتباط بين الخالق والمخلوق .
وبملاحظة كون الصوم له تأثيرا فعالة في بناء الروح وتطهيرها ، والابتعاد عن الحياة المادية الحيوانية وتقويمها ، فان الصوم يرفع بالانسان من عالم البهيمية الى عالم الملائكة . ولذا ركز الخطاب القرآني على مفهوم الصوم كمادة حياتية فيه ابعاده التربوية ، وابعاد اجتماعية ، واقتصادية ، وآثار صحية .
البعد التربوي :
التعلم على الصبر في مجابهة الحياة المادية الصعبة ، ومقاومة جميع لذائذها في بناء روح التقوى ، {لعلكم تتقون} ، ولذا اقترنت هذه العبادة بمعاناة الصبر على اللذائذ المادية وخاصة في فصل الصيف ، لتهيئة روح الانسان لقبول حكم الصوم ، واعطائها قوة وارادة في مجابهة قوى الشر والطغيان .
ومن آثار البعد التربوي بعد التقوى ، تثبيت الاخلاص :
قالت فاطمة الزهراء (عليها السلام) في الخطبة المشهورة لها : والصيام تثبيتا للاخلاص . الاحتجاج : ج١ ص١٣٤ .
وقال امير المؤمنين (عليه السلام) : فرض الله ... الصيام ابتلاء للاخلاص الخلق . نهج البلاغة : ج١ ص١٩٧ .
ومنها :
* انكسار الكبر :
قال الامام علي (عليه السلام) في الخطبة القاصعة : ولكن الله يختبر عباده بانواع الشدائد ، ويتعبدهم بانواع المجاهد ، ويبتليهم بضروب المكاره ، اخراجا للتكبر من قلوبهم ، واسكانا للتذلل في نفوسهم ... ومجاهدة الصيام في الايام المفروضات ، تسكينا لاطرافهم ، وتخشعا لابصارهم ، وتذليلا لنفوسهم ، وتخفيضا لقلوبهم ... المصدر السابق .
* انكسار الشهوات والهوى :
روي عن ابي الحسن انه قال : قال لقمان لابنه : يا بني صم صياما يقطع شهوتك ، ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة فان الصلاة اعظم عند الله من الصوم . بحار الانوار : ج٩٦ ص٢٩٠ .
* تباعد من خطوات الشيطان :
روي عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه واله) لاصحابه : الا اخبركم بشيء ان انتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم تباعد المشرق من المغرب ؟ قالوا : بلى ، قال : الصوم يسود وجهه ... ولكل شيء زكاة وزكاة الابدان الصيام . الكافي : ج٤ ص٦٢ .
البعد الاجتماعي :
التعلم على كيفية التعامل بين افراد المجتمع ومداراتهم وزرع روح الثقة فيما بينهم . ليستوي به الغني والفقير ، وذلك لان الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير ، وبما ان الغني اذا اراد شيئا قدر عليه ، فاراد الله سبحانه وتعالى ان يسوي بين خلقه ، وان يذيق الغني مس الجوع والالم ، ليرق على الضعيف ويرحم الجائع .
ولو عمل بهذه الفريضة في جميع انحاء العالم ، وطبقت على نحو ما اراده الله تعالى لعباده لم يبق انسانا جائعا على وجه المعمورة .
البعد الاقتصادي :
التعلم على كيفية تقنين الحالة الاقتصادية وعدم الاسراف في جميع متطلبات الحياة ، وهذا ينتج عنه التوازن الاقتصادي، ويمنع من تحقيق الطبقة البرجوازية : وهي عبارة عن طبقة من طبقات المجتمع الاجتماعية ، تشمل اصحاب رؤوس الاموال والتجار ، تتميز بالسيطرة الكاملة على الاسواق ورأس المال .
فالصوم يعطي درسا في المساواة بين افراد المجتمع ، الموسرون يحسون بما يعانيه الفقراء المعسرون، وعن طريق الاقتصاد في استهلاك المواد الغذائية يستطيعون ان يهبوا لمساعدة الفقراء، فتكتمل الحياة بابعادها الثلاثة ، ويتوحد الصف الانساني على كلمة واحدة : حب لغيرك كما تحب لنفسك .
الآثار الصحية :
لقد توصل العلم الحديث والقديم الى معالجة بعض الامراض بطريقة الصوم ، لان العامل في كثير من الامراض الباطنية والمعوية يرجع الى الاسراف في تناول الاطعمة المختلفة ، والزيادة فيها مما يؤدي الى تراكم تلك المواد الزائدة في جسم الانسان فتتحول الى مواد دهنية وسكرية في الدم ، فالصوم والامساك افضل طريقة لمكافحة تلك الامراض والقضاء عليها ، يقول عالم الروسي : الصوم سبيل ناجح في علاج امراض فقر الدم وضعف الامعاء ، والالتهابات البسيطة والمزمنة ... الصوم طريقة حديثة لعلاج الامراض : ص٦٥ .
وغيرها الكثير يمكن معالجهاتها عن طريق الامساك عن بعض المواد الغذائية ، وقد اشار الى ذلك من قبل رسول الله (صلى الله عليه واله) بقوله : صموا تصحوا . وقال : المعدة بيت كل داء ، والحمية رأس كل دواء . بحار الانوار : ج٩٣ و ج٥٩ ص٢٥٥و ص٢٦٠ .
انواع الصيام :
١- صيام القلب عن الفكر في الاثام ، وهذا افضل من صيام البطن عن الطعام .
٢- صوم الجسد ، وهو الامساك عن التغذية بارادة واختيار ، دفعا من العقاب والرغبة في الثواب .
٣- صوم النفس ، وهو امساك الحواس عن سائر المآثم، وخلو القلب من جميع اسباب الشر .
٤- صوم القلب ، وهذا افضل من صيام اللسان .
٥- صوم اللسان ، وهذا افضل من صيام البطن .
فضل شهر رمضان في الروايات :
فقد ورد في كثير من الاخبار عن فضل صوم شهر رمضان نذكر البعض منها ، تيمنا بذلك ومعرفة لقيمة شهر رمضان ، التي منها :
١- لو يعلم العبد ما في شهر رمضان لود ان يكون شهر رمضان تمام السنة .
٢- اذا دخل شهر رمضان اغلقت ابواب النار ، وفتحت ابواب الجنان وصفدت الشياطين .
٣- من ادرك شهر رمضان فلم يغفر له فابعده الله .
٤- ان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم .
٥- انما سمي رمضان لانه يرمض الذنوب .
٦- هو شهر اوله رحمة ، واوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار .
فالصوم حينئذ جنة من آفات الدنيا ، وحجاب من عذاب الاخرة ، وصفاء للقلب ، وطهارة للجوارح ، وعمارة الظاهر والباطن ، والشكر على النعم ، والاحسان الى الفقراء ، وزيادة في التضرع والخشوع ، والالتجاء الى الله ، وتضعيف للحسنات ، وتخفيف للسيئات .
والحمد لله رب العالمين .
الكاتب: السيد زكي الموسوي
اترك تعليق