الشهيد واثره في المجتمع

ان الرجوع الى المعنى اللغوي لكلمة الشهيد فيه الكثير من المعاني الحيوية والمؤثرة في حياة الإنسان ، فهو الحيّ الحاضر، وهو الأمين في الشهادة الذي لا يغيب عن علمه شيء ، وهو اسم من اسماء الله المقتول في سبيل الله ، وهو الخبير وهو الشهيد الذي يشهد على الخلق يوم القيامة مع نبيها ، قال تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } . البقرة : 134 وروحه تعلق بورق الجنة .

 وقد روي عن ابن عباس وابن مسعود وجابر ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال : (( لما اصيب اخوانكم بأحد جعل الله ارواحهم في حواصل طير خضر ترد انهار الجنة وتأكل من ثمارها )) تفسير البيان : ج2 ص529

وهو الذي تشهده الملائكة وتحضر موته ، وهذه المعاني تدل على عظمة الشهيد ومكانته . ولذا سمي شهيدا لتلك الاوصاف المذكورة اعلاه ولأن الله وملائكته شهود له بالجنة .

مكانة الشهيد :

ولمكانة الشهيد في المجتمع مكانة خاصة باعتبار كل انسان يقدم خدمة لمجتمعه وامته ، فان قيمة ومكانة ذلك الانسان تتناسب مع ما قدمه ، فأهل الصناعات واهل الاختراعات وغيرهم ممن يقدموا خدمة لمجتمعاتهم ، لهم قيمة واثر فيها ، لكن لو قارنا تلك الخدمة وما يقدمه الشهيد احياء لمجتمعه بدمه وبحياته مع ما يقدمه الآخرون في مجال الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية ، لفاق على جميع اولئك ، ولذا برزه القرآن الكريم عن غيره ممن يكونوا موتى بوصفه بالحيّ ، قال عزّ وجلّ : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } ، كأن ارواحهم احضرت دار السلام احياء وأرواح غيرهم اخرت الى يوم البعث . بالإضافة الى ذلك ، فالشهادة رتبة عالية ليس فوقها رتبة ، يقول الرسول (صلى الله عليه وآله) في حديثه : ( فوق كلّ برّ برّ حتى يُقتل الرجل في سبيل الله ، فاذا قُتل في سبيل الله عزّ وجلّ فليس فوقه برّ ) . الكافي : الكليني : ج5 ص53 .

 ولذلك نلاحظ تعاطف الشعوب مع الشهداء والاهتمام بهم دون غيرهم ، وهذا يكشف عن عظم ما قدموا لتلك الشعوب لأنهم جادوا بأنفسهم ، فكان لهم الأثر الواضح من خلال الجانب المادي ،  والمعنوي ، فبدمائهم تحققت الحرية والاستقلال ، وينجلي الظلم والقهر والفساد ويتحقق العدل والانصاف ، وتترسخ المثل والقيم السماوية التي تمثل القيم المطلقة التي شرعها الله تعالى . وهذا الاثر الايجابي للشهيد الذي حققه بدمه اضاء للأمة دربها وانار لها طريقها ، ولا شك ان من يثبت هذه القيم ويرسخها في الامة لابد ان يحظى منها بأعظم اهتمام .

ما معنى الشهادة ؟

والشهادة على ما عرفها السيد الطباطبائي : ( انها نيل نفس الشيء وعينه ، اما بحسّ ظاهر كما في المحسوسات ، او باطن كما في الوجدانيات نحو العلم والارادة والحب والبغض ) . تفسير الميزان : ج2 ص249

فالشهادة تعني المشاهدة ورؤية الشيء بنفسه ، ولذلك تطلق باللغة على الشاهد لأنه يشهد بما يعلم علما يقينا فهو شاهد ، ومن هذه الرؤية اطلق هذا اللفظ على النبي (صلى الله عليه آله) وعلى المسلمين لانهم يشهدون على الامم التي كذبت بالرسل ويشهد النبي على اعمال امته ، { وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} .

 اكرام الشهيد:

لقد اعد الله للشهداء من الكرامة ، وخصهم به من النعيم في دار المقام فقال : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } في نصرة دين الله { أَمْوَاتًا بَلْ } هم { أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } في حياتهم البرزخية التي تكون من النمط الرفيع المقرون بأنواع النعم المعنوية العظيمة { فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } من عظيم البركات وعظيم الابتهاج بما اوتوا هناك ، فهم { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ } ، فيكون استبشارهم للأمور التالية :

 الأول : جهة النعم والمواهب الإلهية التي يتلقونها ، والفضل الإلهي المستمر للنعم .

 الثاني : لأن الله لا يضيع أجر المؤمنين وأجر الشهداء وأجر ممن لم ينال الشهادة من المجاهدين في سبيل الله تعالى .

 الثالث : عدم افتتانه في القبر . عن النبي (صلى الله عليه وآله) : (من لقي العدو حتى يقتل او يغلب لم يفتن في قبره ) . كنز العمال: المتقي الهندي : ج4 ص282 ح10496 .

الرابع : تكفير ذنوبهم إلا الدَين ، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال : ( يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدَين ) المصدر السابق : ج4 ص399 ح11110.

وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال : ( من قتل في سبيل الله لم يعرفه الله شيئا من سيئاته ) . الكافي : الكليني : ج5 ص54 . 

 كيف تكون حياة الشهداء بعد الموت والقتل ؟

 الآيات القرآنية التي تخص الشهيد فيها دلالة على بقاء الروح . لكن البعض حملوا هذه الحياة على المعنى المجازي . بمعنى بقاء اسمهم وخلود آثارهم واعمالهم وجهودهم . إلا ان هذا القول لا ينسجم مع قوله بان الشهداء يرزقون ، او بما تحدثت الآيات عن سرورهم من نواح مختلفة ، وانهم فرحين بما آتاهم الله . كما لا ينسجم مع الفطرة فيكون مخالفا لها ، اذ لا معنى بالتلذذ ما دام ذلك الانسان الميت لا يحس ولا يعي ، فتضحيته بنفسه دون مقابل شيء لا معنى لها . وعليه لا بد ان تكون الحياة الموعود بها الشهيد المقتول في سبيل الله حياة حقيقية لا امرا خياليا اعتباريا .

اثار الشهيد في المجتمع :

 1ـ ايقاظ الانسان من الغفلة التي يقع بها بناء على اعتقاده ان الذين يقتلون في سبيل الله يصيبهم الفناء والانعدام كما يفيد لفظ الموت المقابل للحياة ، وكما يفيد عدم احساس الانسان بحياة ما بعد الموت وعدم شعوره بها ، لكن الحقيقة القرآنية تقول : بل احياء لكن الحواس الظاهرية لا تدرك ذلك ولا تشعر به فهم احياء عند الله يرزقون من الخيرات ويرون من الكرامة التي تجعلهم يتمنون الرجوع الى الدنيا مرة اخرى ليقتلوا في سبيل الله لما رأووه من الفضل والكرامة فعن النبي (صلى الله عليه وآله) :( ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها ان ترجع الى الدنيا وان لها الدنيا وما فيها الا الشهيد فانه يتمنى ان يرجع الى الدنيا فيقتل مرة اخرى لما يرى من فضل الشهادة ) كنز العمال : ج4 ص290 ح10542 .

 2ـ احياء الحالة النورانية في المجتمع ، وذلك يعطي الشهيد للمجتمع معنى الحرية والخلود بالوقوف ضد الظلم . فنوره يضيء للأمة الدرب لسلوك طريق الرقي والتطور .

 3ـ اشعار الأمة بالحياة ، لأن بدمهم الطاهر احيا الإنسان من جديد بعد موت الضمير فيه ، لقبول الظلم والظالمين .

 4ـ ايجاد الاستقرار في المجتمع والمساعدة على الانتاج والتطور .

5ـ دفع شبهة الأسى على الشهداء وكيف انهم ماتوا وفنوا وخاصة عندما تتجدد على الاحياء ممن يتولاهم النعم فيتأسفون على غيابهم ، ولذا قال تعالى : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } .

 6ـ بقاء الحضارة الإسلامية وديمومتها منذ صدر الإسلام والى يومنا هذا وما بعده .

ومن هنا كانت الشهادة حياة للأمم ، فالأمة الحية تقدس الشهيد والشهادة وتعتبرها قيمة انسانية وثقافة إلهية تفهم ان الموت قتلا في سبيل الله هو الحياة وان الحياة من دون ثقافة الشهادة هي الموت . وقد تجلت هذه الحقيقة بقول الإمام الحسين (عليه السلام) : ( اني لا ارى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما ) . مثير الاحزان : ابن نما الحلي ، ص32

 

الكاتب: السيد زكي الموسوي