مآثر الصدق

أخذ في  تعريف الصدق مطابقته للواقع، وإظهار الحقيقة كما هي، ولكونه كاشفاً عن الحقيقة كما هي، أضحى أشرف الفضائل النّفسية، والمزايا الخلقية، لخصائصه الّجليلة، وآثاره الهامة في حياة الفرد والمجتمع، ولأجل ذلك مجدته الشريعة الإسلامية في الكثير من النّصوص كقوله تعالى: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (*) لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ۚ ذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ } (الزمر33-34) .

كما أنّ للصدق مراتب ثلاثة، فهو  تارةً يتعلق بالقول، وأخرى بالفعل، وثالثةً يتعلق بالنيّة :

الصدق في الأقوال، وهو: الإخبار عن الشيء على حقيقته من غير تزوير أو تمويه .

الصدق في الأفعال، وهو: مطابقة بين القول والفعل، كالوفاء بالعهد والوعد .

الصدق في النيّة، وهو: مطابقة الدوافع مع الأهداف المعلنة، فإن طابق الدافع المحرك نحو الفعل أو القول مع الأسباب والأهداف المعلنة ، كان صاحبها صادق النيّة  .

وبما أنّ الصدق من الحاجات الأساسية في الحياة الإنسانية، فأهميته تكون متعلّقة بمستويين؛ المستوى الفردي، والمستوى الإجتماعي:

أما على المستوى الفردي فشيوع الصدق أداة فعّالة لرفع الفرد وكمال أخلاقه، وهو السبيل لسعادة الفرد في كافة المجالات، بدءً من إستقراره النفسي، إلى الزواج والعقود إلى المعاملات من بيع وشراء وغيرها، وهو من الكمالات النفسية على الصعيد الإنساني، فقد كانت صفة الصادق الأمين مرافقة للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في زمن الجاهلية، مما يدل على محبوبية هذه الصفة من النفس والفطرة.

ولعل أهم آثار الصدق في هذا المجال، تنظيم علاقات الأفراد بعضهم ببعض، كذلك تنظيم علاقة الفرد بالمجتمع، وانتشار الثقة بين الأفراد مما يؤدي إلى العيش في ظل علاقات متماسكة ورصينة على كافة المستويات، على خلاف شيوع الكذب وانعدام الثقة، الأمر المؤدي إلى الريبة والشك وفساد العلاقات الإنسانية .

أما على مستوى الإجتماعي:  فالصدق هو من أساسيات شيوع الّتفاهم والانسجام بين عناصر المجتمع وأفراده، وذلك ليستطيعوا النّهوض بأعباء الحياة وتحقيق الغاية والهدف منها، وللعيش في حياة كريمة هانئة وتعايش سلمي، وذلك نتيجة لاستقرار الفرد، وانعكاسه على المجتمع ككل، وهذه الغايات لا تكون إلا بالتّفاهم الصّحيح وتبادل الثقة والأمانة بين أولئك الأفراد، مما يؤدي إلى نهوض المجتمع بكامله إلى الكمال والنمو، فيصير العمل ببركة الصدق زاكياً نامياً في الثواب كقول الإمام الصادق(عليه السلام): (من صدق لسانه زكى عمله ) .

و خلاصة القول، هو :  أنّ اللسان هو أداة التّفاهم، ووسيلة المعاني والأفكار، وهو مايفسر ما يدور في خلّد النّاس من المقاصد والغايات، فله الدّور الخطير في حياة المجتمع وتجاوب مشاعره وأفكاره،  ممّا يجعل على عاتقه سعادة المجتمع أو شقاؤه، فإذا كان اللسان صادق اللهجة، أميناً في ترجمة خوالج النّفس وأغراضها، أدّى رسالة التفاهم والتواثق وكان رائد خير، ورسول محبة وسلام .

أما إذا اتصف بالخداع والتزوير، وخيانة الترجمة والإعراب، غدا رائد شر، ومدعاة تباغض وكره بين أفراد المجتمع وأداة هدمٍ في كيانه، من خلال تقطيع أوصاله، والقضاء على التماسك الموجود في المجتمعات الصادقة.

ولذلك كان الصدق من ضرورات المجتمع، وحاجاته الملحة، ولأجل ذلك كانت آثاره وانعكاساته في الحياة. فهو نظام المجتمع السعيد، ورمزٌ لخلقه الرفيع، وهو الدليل على استقامة أفراده ونبلهم وهو الوسيلة لكسب الثقة والائتمان بين النّاس.كما أنّ له آثاره ومعطياته في توفير الوقت الثمين، فعندما يصدق المتبايعون في مبايعاتهم يرتاح الجميع من عناء المماطلة وضياع الوقت في نشدان الواقع، وتحري الصدق. وإذا تواطأ أرباب الأعمال والوظائف على التزام الصدق، كان ذلك ضماناً لصيانة حقوق النّاس .

وبالتالي لابدّ من السير على نهج تعاليمنا الإسلامية الذاخرة بالأحكام والعبر، والإلتزام بكتاب الله وسنة نبيه الشريفه، التي تحث على الصدق، وتنهى عن الكذب، والالتزام بالصدق هو الضمان للّحاق بمسيرة التقدم والرقي التي تتسابق فيها الأمم، وبروز الصورة المشرقة عن المجتمعات الإسلامية، مما يغري البقية للالتحاق بها.

 

الكاتبة: نسرين الحاج