تشغل الاخلاق حيزا مهما في الحياة الانسانية, إذ إنها المنظومة القيمية التي تسير سلوك الانسان واسلوب تعامله مع الاخرين, وعلى امتداد التاريخ البشري وتكثر جماعاته ومجتمعاته, تكثرت المناهج الاخلاقية تبعا لتغير الرؤى التي يحملها كل مجتمع للقيم الاخلاقية بتأثير مما يحمله ذلك المجتمع من مستوى ثقافي وحضاري وتاريخ اجتماعي .
ويبقى المنهج الاخلاقي الذي بشرت به الرسالات السماوية وأرست حدوده هو المنهج الافضل والاكثر ملائمة وقدرة على الارتقاء بالانسان والمجتمع, لانه مستمد من الوحي ومن فكرة أفضلية الانسان على باقي الكائنات (ولقد كرمنا بني آدم ) , لانه ـ الانسان ـ كائن متسام وجد في هذه الحياة لدور مهم وهو خلافة الله على الارض, فيعمل المنهج الاخلاقي على تشذيب الغرائز وكبح الاهواء, على عكس المدارس الاخلاقية الوضعية التي تستمد منهجها الفكري من نظرة دونية للانسان ودوره في الحياة وتعمل على اطلاق الغرائز والاهواء.
لقد دأبت الرسالات السماوية على امتداد مسيرها الزمني ساعية الى إرساء معالم الاخلاق الدينية وزرعها في الناس حتى انتهت الى خاتمة الرسالات الاسلام ونبيها سيد البشر محمد (صلى الله عليه واله) الذي وصفه الله في كتابه فقال ( وانك لعلى خلق عظيم) ووصف الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله) رسالته الخاتمة بانها تتمة للاخلاق الانسانية الفاضلة حيث قال ( إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق)
وقد حث الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه واله والأئمة الأطهار سلام الله عليهم من بعده على مكارم الأخلاق وأمروا بها ودعوا لها لترتفع بها الروح الإنسانية عن الدناءات إلى المحاسن والخير ، فهم المثل العليا في الخلق الحسن وهم قدوة الخلق والنموذج الامثل لسمو الادب ومكارم الاخلاق ، ولابد لكل مسلم من اتباع هذا النهج القويم بالانقياد والطاعة التامة لربه سبحانه وتعالى، وأن يكون متواضعا لطيفا ذا رفق ورحمة، وأن لا يتكلم إلا بما يرضي الله تعالى ليقع كلامه في قلوب مستمعيه ، وأن تعلو وجهه الطلاقة والسماحة وان يكون شجاعا غيورا على عرضة وارضه ودينه وغيرها من الصفات الحميدة الاخرى ، فبهذه الصفات يتجسد حسن الخلق كما أخبر بذلك الإمام الصادق عليه السلام لَمّا سُئلَ عن حَدّ حُسنِ الخُلقِ فقال (( تَلينُ جانِبَكَ، وتُطيِّبُ كلامَكَ، وتَلْقى أخاكَ ببِشْرٍ حَسَن )) ، فضلاً على التنزه عن معاصي الله وترك الانغماس فيها، والسعي في طلب الرزق الحلال الطيب، وبر الوالدين وإكرام الزوجة والأولاد ومن تجب علينا إعالته من الاقربين ، وقد ذكر ذلك اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وعدَهُ من حسن الخلق بقوله (( حُسنُ الخُلقِ في ثَلاثٍ - اجْتِنابُ المَحارِمِ ، وطَلَبُ الحَلالِ ، والتَّوَسُّعُ على العِيال )) ، ولا يخفى ماللرضا بعطاء الله تعالى والقناعة بعيدا عن الطمع والسعي وراء الدنيا من الاثر الكبير على حسن الخلق ، ونلحظه جليا في تفسير الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله حسن الخلق بقوله (( إنّما تفسيرُ حُسنِ الخُلقِ - ما أصابَ الدُّنيا يَرْضى، وإنْ لَم يُصِبْهُ لَم يَسْخَطْ )).
ركز الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وائمتنا الاطهار سلام الله عليهم جل اهتمامهم لينهل شيعتهم تلك الاخلاق الكريمة لينعموا بحياة هنيئة بمرضاة الله عز وجل ، وذلك من خلال احاديثهم ووصاياهم الوافية وتوجيهاتهم لشيعتهم ومحبيهم ، فقد ورد عنهم عليهم السلام في مكارم الاخلاق –
عن الصادق عليه السلام أنه قال (( إن الله خص رسله بمكارم الأخلاق، وطبعهم عليها، فامتحنوا أنفسكم، فإن كانت فيكم، فاحمدوا الله عزوجل،واعلموا أن ذلك من خير، وإن لم تكن فيكم، فاسألوا الله تعالى التوفيق لها، واجتهدوا )) ، وقال عليه السلام ايضا (( مكارم الأخلاق عشرة - اليقين، والقناعة، والصبر، والشكر، والحلم، وحسن الخلق، والسخاء، والمروءة، والغيرة، والشجاعة )) ثم اردف قائلا عليه السلام (( هذه العشرة خصال من صفات المؤمنين، فمن كانت فيه، فليعلم ذلك من خير أراده الله تعالى به )) ، وعن الباقر عليه السلام قال (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله - ألا اخبركم بأشبهكم بي خلقاً ؟ فقيل - بلى، يا رسول الله ، قال - أعظمكم حلماً، وأكثركم علماً، وأبركم بقرابته ، وأشدكم حباً لإخوانه في دينه، وأصبركم على الرضا والغضب ))
وعن الامام موسى الكاظم عليه السلام قال (( لم ينزل من السماء أعز ولا أقل من ثلاثة أشياء - التسليم، والبر، واليقين )) وقال عليه السلام ايضا (( ألا أخبركم بمكارم الأخلاق ؟ قالوا - بلى يابن رسول الله، قال - الصفح عن الناس، ومواساة الأخ المؤمن في الله تعالى، من المال - قل أو كثر- وذكر الله تعالى كثيراً ))
وقيل له عليه السلام - من أكرم الخلق على الله تعالى؟ فقال (( من إذا أُعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أُسئ اليه غفر )) هذا جزاء من تحلى وتأدب على مكارم الاخلاق وجمالها فسرُالسعادة الكامن في نفس كل عاقل هو أن يكون ملتزما بحسن الخلق وهذا ماينال من انتهل ادابه في مدرسة اهل البيت عليهم السلام الاخلاقية السائرة على نهج القران الكريم المنزل على نبي الرحمة صلى الله عليه واله التي دعت الى مكارم الاخلاق على لسان نبي الرحمة محمد صلى الله عليه واله وعترته الطاهرة الناطقة بالحق المبين ، سائلين المولى القدير ان ينير افئدتنا باشعة من نورهم ولمحة من اخلاقهم ..
سامر قحطان القيسي
اترك تعليق