ذكرى مباهلة النبي باصحاب الكساء في اليوم الرابع و العشرين من شهر ذي الحجة

فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ( 61 ال عمران )

اية قرانية شريفة كان سبب نزولها كما هو معروف ان نصارى نجران جاءوا الى رسول الله (صلى الله عليه واله) ليتبينوا أمر نبوته ومدى مصداقيتها , فدار بينهم وبين النبي  (صلى الله عليه واله) مناظرة طويلة أثبت فيها النصارى عجزهم عن مجاراة النبي (صلى الله عليه واله) فيما قدمه من أدلة, فنزلت هذه الاية بالحل الناجع وهو المباهلة الى الله, فلما وجد النصارى ان النبي (صلى الله عليه واله) قد جاء بأهل بيته علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم الصلاة والسلام) امتنعوا عن المباهلة واستسلموا له (صلى الله عليه واله).

وفيما يتعلق بهذه الاية التي تمر اليوم ذكرى قصتها أشير الى نقاط عدة:

لقد أقر النبي (صلى الله عليه واله) للامة حقيقة التميز الذي يحظى به هؤلاء الخمسة , فالزهراء (عليها السلام) هي نساء النبي (صلى الله عليه واله) دون غيرها ولها الحظوة والمقام , وان ابناء النبي (صلى الله عليه واله) هما الحسن والحسين ابناءه (صلى الله عليه واله) لتلقم كل المتلاعبين بالخلافة حجرا كالعباسيين الذي جاهدوا لانكار هذه البنوة على الائمة المعصومون (عليهم السلام) والاتكاء على ان ابناء البنت ليسوا ابناء, وان علي ( عليه السلام) هو نفس النبي (صلى الله عليه واله) فتحسم بذلك مسألة الخلافة حيث ان بالرغم من وفاة النبي (صلى الله عليه واله) لايحتاج الى البت في مسالة الخلافة لان نفسه الشريفة لم تمت بل باقية في الامام علي ( عليه السلام) حينما نتبين معنى قوله تعالى ( فنجعل لعنة الله على الكاذبين) سنجد ان الكذب في ساحة النبي (صلى الله عليه واله) يتمثل في ادعاءه النبوة وانتحالها كذبا واما بالنسبة للنصارى فتتمثل في انهم يدعون عدم تصديق النبي (صلى الله عليه واله) في نبوته بالرغم من الحجج التي قدمها في المناظرة فإذا كانوا قد اقتنعوا وانكروا ذلك فستنزل بهم لعنة الله وعند انسحابهم يكونون قد اقروا بانهم اقتنعوا, وهنا نسأل لماذا انكروا اقتناعهم ؟

والجواب هو ان انكارهم بسبب فقدانهم المكانة الاجتماعية والصدارة في قومهم حيث انهم الرهبان والعلماء المقدمين اجتماعيا, فإذا كانوا على باطل وصاروا الى الاسلام فإنهم يفقدون هذه المكانة, وعليه نخلص الى حقيقة تتعلق بالدعوة الى الاسلام وهي ان المسالة مع اعداء الاسلام ليست مقصورة على الاقتناع والتصديق بل تتجاوز ذلك الى المصالح التي تدفع الى العناد

وعليه فإننا في مسألة الدعوة الى الاسلام عالميا, لن يكون الصحابي دون المعصوم (عليه السلام) قادرا باي صورة من الصور قادرا على تقديم الحجج الراسخة التي تفحم المقابل وتبطل دعواه . ففي مناظرة النصارى نجد ان المدد الالهي هو من جعل النبي (صلى الله عليه واله) يحسم الموقف لصالحه, ففي مسألة ان المسيح هو ابن الله كما يقول النصارى بذريعة ان المسيح ليس له اب نزل الوحي بقوله تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران: 59 فاخرستهم, ولهذا نجد ان الكثيرين من النصارى واليهود كانوا يجيئون الى الخلفاء فيسألونهم فلايجدون عندهم جوابا يجعلهم يقتنعون بالاسلام ويجدون الاجوبة عند باب علم النبي (صلى الله عليه واله) . اننا في الدعوة لايمكن ان نستغني عن المعجز الالهي, وهذا مايدعم فكرة الامامة والعصمة حيث ان الصحابة لم يكونوا مزودين بقابلية كهذه للدعوة فكانت وسيلة الانتشار للاسلام التي اتبعوها هي الفتوحات التي لم تدفع الناس الى الاقتناع بل بالدخول عنوة الى الاسلام, وربما كانت هذه الحادثة المروية عن الامام على الهادي (عليه السلام) خير مايوضح المسالة, حيث روي عن الامام علي الهادي (عليه السلام) انه كان واقفا في سامراء ذات يوم فاقترب منه ضابط تركي على حصانه بخيلاء وغرور حيث ان الاتراك وقتها في خلافة المتوكل كانوا في ذروة طغيانهم وتنمرهم في دولة الاسلام, وكان ثمة من يراقب المشهد, وحين وصل الضابط الى الامام (عليه السلام) همس الامام (عليه السلام) همسة فلم يروا الضابط إلا وقد نزل عن جواده وقبّل قدم الامام (عليه السلام) ثم صار من شيعته, ولما سالوا الضابط عن الامر وماهمسه به الامام الهادي (عليه السلام) في إذنه اجاب بأن الامام (عليه السلام) ناداه باسم لم يكن يناديه به غير ابيه في تركيا حين كان صغيرا وقد مات ابوه فمحال ان يعرفه رجل كهذا إلا إذا كان رجلا يتلقى علم الغيب.

الكاتب / الشيخ صلاح الخاقاني

المرفقات