في اليوم الخامس و العشرين من شهر ذي القعدة .. دحى الله الارض

أحببتُ أنْ أسهم بجهدي القليل في مِثلِ هذا اليوم الجليل , فكتبتُ هذه الكلمات لأقدمها للقارئ الكريم , فهي وإنْ لمْ تأتي بشيءٍ جديدٍ, إلّا أنّها تقريبٌ لِما جاءَ مِنْ معنى قد يكون بعيد, أو قد يَستعجِم على البعض وقد يستسيغه آخرون .. وهذا أوان الشروع في المقصود , فأقول وبالله أحول :

قبل الشروع في سردِ الموضوع, لابدّ لي من تمهيدٍ بين يديه؛ تعرف مِنْ خِلالهِ السبب الذي منْ أجلهِ عدّ صيام هذا اليوم يعدل صيام سبعين سنة, وفي رواية أخرى: إنّ صيامه كفّارة لذنوبِ سبعين سنةٍ , وأنّ مَنْ صام في مثل هذا اليوم وقام ليله, فله عبادة مائة سنة, وأنّه يستغفر لِمنْ صامهُ كلَّ شيءٍ بين الأرض والسماء , ووو ... الى غيرها من الفضائل المذكورة في كتب الدعاء ومن اشهرها (مفاتيح الجنان) ..فاحرص على مراجعتها لتحرز قصب السبق لنيل المثوبة والاجر العظيم ..

فأقول : اشتهرت عبارة (دحو الارض) بين المؤمنين, وما عادت تخفى إلّا على بعضهم , بل الذين لم تخفى عليهم لربّما هي الفضائل والأعمال المستحبة فيها, أمّا تفاصيل المناسبة قد تكون هي التي خفيت عليهم, وكيف كان , فانّ في مثل هذا اليوم - الخامس والعشرون من شهر ذي القعدة - دحى الله عزّ وجلّ الارض, فقال جلّت قدرته في كتابه الكريم : { وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا } (سورة النازعات 30 - 31), وفي آية كريمة أخرى, قال عزّ من قائل: { وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } (سورة الشمس 6), فما هو معنى الدحو؟ وما هو معنى الطحو؟ .. الآن هلم معي لنقف على معاني هاتين المفردتين؛ لنفقه معنى (دحو الارض وطحوها) :

{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}: دحوت الشيء دحواً: أي بسطته, وقيل دحاه بمعنى أزاله عن مقره .. فيكون المعنى: بسطها, ومدّها, وأوسعها, وجعلها صالحة للسكن , فالمراد من دحو الارض هو تسويتها, وهو تعبير آخر عن انشائها وخلقها , وبناء على ذلك يكون قوله تبارك وتعالى : { وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}, هو أنّه أنشأها وخلقها .

وقد فُسّر دحو الأرض بتفسيرٍ آخر , وهو : مدّ الارض وبسطها وتهيئتها ليحيى عليها الانسان والمخلوقات الاخرى , وهذا التفسير يتناسب مع المدلول اللغوي لكلمة الـ"دحو", حيث يقال : مدحى النعامة, أي موضع بيضها, فهي تدحو الارض برجلها, أي تبسطها وتهيئها لتضع عليه بيضها .. فيكون المعنى : ان الله سبحانه وتعالى خلق الارض أولاً, ثم بعد ذلك بسطها وهيئها, وأخرج مائها و مرعاها و أرسى جبالها و بارك فيها وقدّر اقواتها فجعلها صالحة لحياة الناس .

{ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا }: طحا : بمعنى بسط فوسع , والطحا : المنبسط من الارض , والطاحي : الممتد, وقيل : الطحو كالدحو, وهو بسط الشيء والذهاب به , وعليه , فالطحو في الآية الشريفة بمعنى الدحو , وهو البسط, و"ما" موصولة, فيكون المعنى هكذا : "الذي طحاها" أي بسط الارض ..

وأفاد صاحب تفسير الامثل بان هناك روايات عديدة تقول: "إِنّ اليابسة قد انتشرت من تحت الكعبة، وهو ما أطلق عليه اسم «دحو الأرض»".

وقال: " في البداية هطلت أمطار غزيرة فغطّى الماء الكرة الأرضية برمتها، ثمّ غاض الماء شيئاً فشيئاً واستقر في المنخفضات، وظهرت اليابسة من تحت الماء، وكانت "مكّة", أوّل نقطة يابسة ظهرت من تحت الماء، حسب الأحاديث الإِسلامية, وكون "مكّة", ليست أعلى مكان على الكرة الأرضية في الوقت الحاضر، لا يتعارض أبداً مع هذا القول، لأنّ مئات الملايين من السنين تفصلنا اليوم عن ذاك الزمان، وقد حدثت خلال ذلك تغيرات جغرافية بدلت وجه الأرض كلياً، فبعض الجبال هبطت إِلى أعماق البحار، وبعض أعماق البحار إرتفع فصار جبلاً، وهذا ثابت في علم التضاريس الأرضية والجغرافية الطبيعية ".

فدحو الارض يراد به إِخراج القسم اليابس من الأرض من تحت الماء، لأنّ سطح الأرض (كما هو معلوم) كان مغطىً بالمياه بشكل كامل نتيجة للأمطار الغزيرة، واستقرت المياه على سطح الأرض بعد أن مرّت السنين الطويلة على انقطاع الأمطار، وبشكل تدريجي ظهرت اليابسة من تحت الماء، وهذا المعنى مستفاد من بعض الروايات الواردة عن اهل البيت عليهم السلام, واكتفي بنقل واحدة منها على سبيل الاستشهاد والا فهي في هذا كثيرة :

عن الامام الباقر (عليه السلام) قال: " لما أراد الله أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربن متن الماء حتى صار موجا ثم أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ثم جعله جبلا من زبد ثم دحى الأرض من تحته و هو قول الله: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا، فأول بقعة خلقت من الأرض الكعبة ثم مدت الأرض منها".

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

في مثل هذا اليوم .. دحى الله الارض

أحببتُ أنْ أسهم بجهدي القليل في مِثلِ هذا اليوم الجليل , فكتبتُ هذه الكلمات لأقدمها للقارئ الكريم , فهي وإنْ لمْ تأتي بشيءٍ جديدٍ, إلّا أنّها تقريبٌ لِما جاءَ مِنْ معنى قد يكون بعيد, أو قد يَستعجِم على البعض وقد يستسيغه آخرون .. وهذا أوان الشروع في المقصود , فأقول وبالله أحول :

قبل الشروع في سردِ الموضوع, لابدّ لي من تمهيدٍ بين يديه؛ تعرف مِنْ خِلالهِ السبب الذي منْ أجلهِ عدّ صيام هذا اليوم يعدل صيام سبعين سنة, وفي رواية أخرى: إنّ صيامه كفّارة لذنوبِ سبعين سنةٍ , وأنّ مَنْ صام في مثل هذا اليوم وقام ليله, فله عبادة مائة سنة, وأنّه يستغفر لِمنْ صامهُ كلَّ شيءٍ بين الأرض والسماء , ووو ... الى غيرها من الفضائل المذكورة في كتب الدعاء ومن اشهرها (مفاتيح الجنان) ..فاحرص على مراجعتها لتحرز قصب السبق لنيل المثوبة والاجر العظيم ..

فأقول : اشتهرت عبارة (دحو الارض) بين المؤمنين, وما عادت تخفى إلّا على بعضهم , بل الذين لم تخفى عليهم لربّما هي الفضائل والأعمال المستحبة فيها, أمّا تفاصيل المناسبة قد تكون هي التي خفيت عليهم, وكيف كان , فانّ في مثل هذا اليوم - الخامس والعشرون من شهر ذي القعدة - دحى الله عزّ وجلّ الارض, فقال جلّت قدرته في كتابه الكريم : { وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا } (سورة النازعات 30 - 31), وفي آية كريمة أخرى, قال عزّ من قائل: { وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } (سورة الشمس 6), فما هو معنى الدحو؟ وما هو معنى الطحو؟ .. الآن هلم معي لنقف على معاني هاتين المفردتين؛ لنفقه معنى (دحو الارض وطحوها) :

{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}: دحوت الشيء دحواً: أي بسطته, وقيل دحاه بمعنى أزاله عن مقره .. فيكون المعنى: بسطها, ومدّها, وأوسعها, وجعلها صالحة للسكن , فالمراد من دحو الارض هو تسويتها, وهو تعبير آخر عن انشائها وخلقها , وبناء على ذلك يكون قوله تبارك وتعالى : { وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}, هو أنّه أنشأها وخلقها .

وقد فُسّر دحو الأرض بتفسيرٍ آخر , وهو : مدّ الارض وبسطها وتهيئتها ليحيى عليها الانسان والمخلوقات الاخرى , وهذا التفسير يتناسب مع المدلول اللغوي لكلمة الـ"دحو", حيث يقال : مدحى النعامة, أي موضع بيضها, فهي تدحو الارض برجلها, أي تبسطها وتهيئها لتضع عليه بيضها .. فيكون المعنى : ان الله سبحانه وتعالى خلق الارض أولاً, ثم بعد ذلك بسطها وهيئها, وأخرج مائها و مرعاها و أرسى جبالها و بارك فيها وقدّر اقواتها فجعلها صالحة لحياة الناس .

{ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا }: طحا : بمعنى بسط فوسع , والطحا : المنبسط من الارض , والطاحي : الممتد, وقيل : الطحو كالدحو, وهو بسط الشيء والذهاب به , وعليه , فالطحو في الآية الشريفة بمعنى الدحو , وهو البسط, و"ما" موصولة, فيكون المعنى هكذا : "الذي طحاها" أي بسط الارض ..

وأفاد صاحب تفسير الامثل بان هناك روايات عديدة تقول: "إِنّ اليابسة قد انتشرت من تحت الكعبة، وهو ما أطلق عليه اسم «دحو الأرض»".

وقال: " في البداية هطلت أمطار غزيرة فغطّى الماء الكرة الأرضية برمتها، ثمّ غاض الماء شيئاً فشيئاً واستقر في المنخفضات، وظهرت اليابسة من تحت الماء، وكانت "مكّة", أوّل نقطة يابسة ظهرت من تحت الماء، حسب الأحاديث الإِسلامية, وكون "مكّة", ليست أعلى مكان على الكرة الأرضية في الوقت الحاضر، لا يتعارض أبداً مع هذا القول، لأنّ مئات الملايين من السنين تفصلنا اليوم عن ذاك الزمان، وقد حدثت خلال ذلك تغيرات جغرافية بدلت وجه الأرض كلياً، فبعض الجبال هبطت إِلى أعماق البحار، وبعض أعماق البحار إرتفع فصار جبلاً، وهذا ثابت في علم التضاريس الأرضية والجغرافية الطبيعية ".

فدحو الارض يراد به إِخراج القسم اليابس من الأرض من تحت الماء، لأنّ سطح الأرض (كما هو معلوم) كان مغطىً بالمياه بشكل كامل نتيجة للأمطار الغزيرة، واستقرت المياه على سطح الأرض بعد أن مرّت السنين الطويلة على انقطاع الأمطار، وبشكل تدريجي ظهرت اليابسة من تحت الماء، وهذا المعنى مستفاد من بعض الروايات الواردة عن اهل البيت عليهم السلام, واكتفي بنقل واحدة منها على سبيل الاستشهاد والا فهي في هذا كثيرة :

عن الامام الباقر (عليه السلام) قال: " لما أراد الله أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربن متن الماء حتى صار موجا ثم أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ثم جعله جبلا من زبد ثم دحى الأرض من تحته و هو قول الله: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا، فأول بقعة خلقت من الأرض الكعبة ثم مدت الأرض منها".

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين..

الكاتب / السيد مهدي الجابري

المرفقات