كانت ولم تزل علاقة الروح او النفس بالجسد مثار تساؤل لدى الفلاسفة والمختصين, إذ كيف يؤثر اللامادي المجرد بالمادي الملموس, ولتوضيح الامر: انك حين تدفع كرة فتصدم بكرة اخرى فتحركها فان هناك قوة فيزياوية صدرت من يدك حركت الكرة الاولى وقوة فيزياوية من الكرة الاولى حركت الكرة الثانية, اي ان العلاقة بين اليد (المؤثر) والكرة (المتأثر)علاقة مادية واضحة, ولكن حين تقرر في ذهنك ان تحرك يدك, والذهن مجرد لامادي, فكيف تمت عملية التأثير الى يدك فتحركت, او الى الدماغ والاعصاب فأوعزت الى اليد؟
لقد قدم الكثيرون من الفلاسفة والعلماء الكثير من التعليلات التي ليس هنا محل استعراضها ولكن مايهمنا هو ان ثمة علاقة صميمية بين النفس والجسد, وان الكثير من خواص النفس كالطباع والسلوك تتأثر بماهو مادي كالاطعمة التي يتناولها الانسان اوالبيئة المحيطة به, ولهذا فإن الزهاد والمتصوفة والعرفاء الذين يسعون عن طريق الرياضات الروحية للوصول الى الحق والمعرفة الاشراقية, بل إن عموم الممارسة الروحية تعتمد على الغذاء وطبيعته, واول مميزات هذا الغذاء هو كميته القليلة حيث ان الاسراف في الطعام له تأثير سلبي على صفاء النفس وقدرتها على الارتقاء والارتباط بالله سبحانه وتعالى وهذا الارتباط هو الغاية الاساس من العبادة.
ومن هذا نتبين الحكمة الكبرى من تشريع الصيام الذي بمقتضاه يمتنع الانسان عن اي مأكل ومشرب, فالله سبحانه وتعالى يضع برنامجا متكاملا للعبادة تكتمل فيه الوسائل الموصلة الى الغاية من ممارسة تلك العبادات, فكان رمضان شهرا خاصا للعبادة والاتصال بالله وجعل فيه الثواب مضاعفا وباب المغفرة مفتوحا على مصراعيه, فكان تشريع الصيام الذي يقل فيه تناول الطعام ،فيكون المرء من خلال الالتزام به اقدر على ممارسة العبادة باساسها الروحي المطلوب.
وبمعنى آخر: ان المنفعة من الصلاة بما فيها من تقرب الى الله ومناجاة له تجلب على الانسان منافع مادية ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) وروحية حيث تتسامى من خلالها روح الانسان, ولكي لا يقتصر هذا النفع على الزهاد والعارفين دون الناس الاخرين جعل هناك صلاة مفروضة على الناس كافة كالفرائض الخمس, ولكي لا تكون الممارسة الروحية حكرا على الزهاد والعارفين الذين يتبعون النظام الغذائي المطلوب, جعل الصوم على الناس كافة ..
الكاتب / صلاح الخاقاني
اترك تعليق