فـي حقيقـة الشـكر

ان الشكر عبارة عن تقدير نعمة المنعم وتظهر اثار هذا التقدير في القلب في صورة وعلى اللسان في صورة اخرى وفي الافعال والاعمال بصورة ثالثة. اما اثاره القلبية فهي من قبيل الخضوع والخشوع والمحبة والخشية وامثالها واما اثاره على اللسان فالثناء والمدح والحمد واما اثارة في الاعضاء فالطاعة واستعمال الجوارح في رضا المنعم وامثاله .

  نقل عن الراغب (1).(الشكر تصور النعمة واظهارها قيل وهو مقلوب عن الشكر اي الكشف ويضاده الكفر وهو نسيان النعمة وسترها ودابه شكور مظهر بسمنه اسداء صاحبه اليه وقيل اصله من عين شكري : اي ممتلئة (فالشكر )على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه .

والشكر ثلاثة أضرب: اولا:شكر القلب: وهو تصور النعمة. ثانيا:شكر اللسان وهو الثناء على المنعم.ثالثا: شكر بسائر الجوارح وهو مكافاة النعمة بقدر استحقاقها .

وقال العارف المحقق الخواجة الانصاري الشكر اسم المعرفة والنعمة لأنها طريق لمعرفة المنعم(2)، وقال الشارح المحقق ان تصور النعمة من المنعم ومعرفة ان هذه النعمة منه هو الشكر بعينه كما روي عن النبي داود عليه السلام انه قال يارب كيف اشكرك مع ان الشكر نعمة اخرى تستدعي شكرا اخر فأوحى الله تعالى يادا ود عندما عرفت بان كل نعمة نازلة عليك تكون مني فقد شكرتني .

يقول الكاتب :ان ما ذكره المحققون في الشكر مبني على المجاز والمسامحة لان الشكر لايكون نفس المعرفة بالقلب والاظهار باللسان والعمل بالأعضاء والجوارح بل هو حالة نفسية ناجمة عن معرفة المنعم والنعمة وان هذه النعمة من المنعم وتنتج من هذه الحال الاعمال القلبية العمل بالجوارح كما ذكر للشكر بعض المحققين معنى يقترب من هذا المعنى رغم ان كلامهم ايضا لا يخلو من المسامحة .

 وقال المحقق الطوسي قدس سره الشكر اشرف الاعمال وافضلها واعلم ان الشكر مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية وله اركان ثلاثة :  الاول :معرفة المنعم وصفاته اللائقة به ومعرفة النعمة من حيث انها نعمة و لاتتم تلك المعرفة الا بان يعرف ان النعم كلها جليها وخفيها من الله سبحانه وانه المنعم الحقيقي وان الخلق كلهم منقادون لنعمه مسخرون لأمره.

  الثاني: الحال التي هي ثمرة تلك المعرفة ،وهي الخضوع والتواضع والسرور بالنعم من حيث انها هدية داله على عناية المنعم بك وعلامة ذلك ان لاتفرح من الدنيا الا بما يوجب القرب منه .  الثالث: العمل الذي هو ثمرة تلك الحال فان تلك الحال اذا حصلت في القلب حصل فيه نشاط للعمل الموجب للقرب منه ، وهذا العمل يتعلق بالقلب واللسان والجوارح .

 اما عمل القلب فالقصد الى تعظيمه وتحميده وتمجيده والتفكر في صنائعه وافعاله وآثار لطفه والعزم على ايصال الخير والاحسان الى كافة خلقه واما عمل اللسان فظهار ذلك المقصود بالتحميد والتسبيح والتهليل والامر بالمعروف والنهي عن المنكر الى غير ذلك واما عمل الجوارح فاستعمال النعمة الظاهرة والباطنة في طاعته وعبادته وتلاوة كتابه وتذكر العلوم المأثورة عن الانبياء والاوصياء عليه السلام وكذا سائر الجوارح.

  كيف نشكر الخالق:العبد الشكور هو الذي يعلم ارتباط الخلق بالحق وعلم استنباط رحمة الحق من اول هوره الى ختامه وعلم ارتباط النعم بعضها ببعض وعلم بداية الوجود ونهايته على ماهو عليه ومثل هذه المعرفة لاتحصل الا للخلص من اولياء الله سبحانه وتعالى وكان اشرفهم وافضلهم الذات المقدسة لخاتم الانبياء (صلى الله عليه واله) وان معظم الناس محجوبين عن بعض مراتب هذه المعرفة بل عن اكثر مراتبها واعظمها .

  عن الكافي باسناده عن ابي عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله) (الطاعم الشاكر له من الاجر كاجر الصائم المحتسب والمعافى الشاكر له من الاجر كاجر المبتلى الصابر والمعطى الشاكر له من الاجر كاجر المحروم القانع.

  عن ابي بصير قال: قال ابو عبد الله الامام الصادق (عليه السلام) (ان الرجل منكم ليشرب الشربة من الماء فيوجب الله له بها الجنة ثم قال: انه لياخذ الاناء فيضعه على فيه فيسمي ثم يشرب فينحيه وهو يشتهيه فيحمد الله ثم يعود فيشرب ثم ينحيه فيحمد الله ثم يعود فيشرب ثم ينحيه فيحمد الله فيوجب الله عز وجل بها له الجنة.

  وبالاسناد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال(شكر النعمة اجتناب المحارم وتمام الشكر قول الرجل الحمد لله رب العالمين)(3)(4).  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1-هو الحسين بن محمد بن المفضل المعروف بالراغب:المتوفي 565او 502 هجري قمري، كان شاعرا ولغويا وكلاميا وكان عارفا بعلوم القران.  2-منازل السائرين ،ص41،قسم الاخلاق باب الشكر.  3- اصول الكافي ج2ص95.كتاب الايمان والكفرباب الشكر.  4- كتاب الاربعون حديث ، الامام الخميني، تعرف السيد الغروي.

المرفقات