إنّ الله سبحانه وتعالى هو الحكيم العليم المختار، وقد اختار من خلقه صفوةً ليحملوا رسالاته السماوية، ويبلّغونها ويهدون الناس سواء السبيل وإلى الصراط المستقيم، فإنّه كتب على نفسه الرحمة، فهو اللطيف الخبير، ومن لطفه اختار الأنبياء والرسل للهداية وليقوموا الناس بالقسط، ثمّ اختار الأوصياء خلفاء، ثمّ وفّق العلماء ورثة الأنبياء.
وقد اشترط على الأنبياء الزهد في هذه الدنيا، فإنّ اختيار الله بالاختبار والامتحان والاصطفاء عن حكمة، من دون الوصول إلى حدّ الإلجاء، وإنّ لله الحجّة البالغة، فلا بدّ من اختبار لمن يقع عليه الاختيار ولغيره حتّى لا تكون فتنة، ويكون الدين كلّه لله.
فاختبر الأنبياء والأوصياء في عوالم تسبق هذا العالم الناسوتي، فشرط الله سبحانه عليهم الزهد، وعلم منهم الوفاء فقبلهم وقرّبهم وقدّم لهم الذكر العلي والثناء الجلي، كما جاء ذلك في دعاء الندبة.
وإنّما اشترط عليهم الزهد، لأنّ حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة، والنبيّ والوصيّ لا بدّ أن يكون معصوماً بقاعدة اللطف وغيره من الأدلّة العقلية والنقلية.
بل هي أعظم، فقدّم لها الذكر العليّ والثناء الجليّ، بعد أن اختبرها وامتحنها أيضاً. إلاّ أنّها امتحنها بالصبر، وإنّما وقفنا على امتحانها بالصبر باعتبار ما ورد في زيارتها (السلام عليكِ يا ممتحنة قد امتحنكِ الله قبل أن يخلقكِ بالصبر فوجدكِ لما امتحنكِ صابرة)
فتجلّت العصمة الإلهية في جمال فاطمة الزهراء إذ جمعت بين نوري النبوّة والإمامة، فعصمتها من العصمة بالمعنى الأخصّ، المختصّة بالأربعة عشر معصوم (عليهم السلام ).
وممّا يدلّ على عصمتها:
اولا:الإجماع القطعي الدالّ على عصمتها، كما عند المشايخ الصدوق والمفيد والطوسي وغيرهم.
ثانيا: آية التطهير في قوله تعالى: {إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، فالله الطاهر طهّر أهل البيت(عليهم السلام) بإرادة تكوينية ومنهم فاطمة (عليها السلام) وعصمهم بعصمة ذاتية ومطلقة واجبة عقلا ونقلا.
ثالثا:آية المباهلة، حيث قدّم النساء على الأنفس{ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }.
رابعا:إنّ الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ففي الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله: قال لفاطمة عليها السلام: إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك.
و قال رسول الله صلى الله عليه (واله)وسلم : يا علـيّ !! أما علمت أن فاطمة بضعة مني أنا منها ، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي ، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي .
خامسا:إنّها مفروض الطاعة على الخلق مطلقاً، لكونها حجّة الحجج واُسوتهم ـ كما ورد في الأخبار الشريفة وكيف تكون مفروض الطاعة على الإطلاق وهي غير معصومة.
سادسا: انها حبل الله الممدود، فلا بدّ أن يكون معصوماً، وإلاّ كيف يتمسّك على الإطلاق بما لم يكن معصوماً،
(قال رسول الله صلى الله عليه وآله): فاطمة بهجة قلبي وحبله الممدود بينه وبين خلقه، من اعتصم به نجا، ومن تخلّف عنه هوى .
سابعا: امتحانها بالصبر وهو أساس الكمال والأخلاق و علمها اللدنّي.
شرفية فاطمة الزهراء عليها السلام :
ان لفاطمة الزهراء عليها السلام الشرف و الرفعة العظيمة عند الله تعالى و رسوله صلى الله عليه وآله لما حملته من الخصوصيات التي خصها الله تعالى بها من العلم و العصمة و الكمال، و يذكر في الروايات الشريفة عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم، فإنّ فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً».
فقوله: «لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة» يعني أنّها جمال الله وحسنه.
و اما شرفيتها في خلْقها فقد خلق الله سبحانه آدم أبا البشر من ماء وتراب بيد ملائكته، فهو في خلقته العنصريّة من العناصر الأربعة المادّية، ولكن خلق فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خلقتها العنصرية إنّما كان من شجرة طوبى في الجنّة التي غرسها الله بيده يد القدرة المطلقة، فهي من عنصر ملكوتي في صورة إنسان ناسوتي، فهي الحوراء الإنسيّة.
عن العيون وأمالي الشيخ بسندهما، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنّة، فناولني من رطبها، فأكلت فتحوّل ذلك نطفة في صلبي، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة حوراء إنسيّة، فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتي فاطمة.
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكثر تقبيل فاطمة عليها السلام، فأنكرت عائشة ذلك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عائشة، إنّي لمّا اُسري بي إلى السماء دخلت الجنّة فأدناني جبرئيل من شجرة طوبى وناولني من ثمارها فأكلته فحوّل الله ذلك ماءً في ظهري، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فما قبّلتها قطّ إلاّ وجدت رائحة شجرة طوبى منها.
وعن زيد بن موسى بسنده عن عليّ (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ فاطمة خُلقت حورية في صورة إنسيّة، وإنّ بنات الأنبياء لا يحضن.
ففاطمة الزهراء حوراء إنسيّة، اشتقّ اسمها من اسم الله ومسمّاها من شجرة غرسها الله بيده، فما أحلى اسمها ومعناها وجمالها وكمالها وجلالها.
شهادتها:
ظلمت السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام كما ظلم ابوها و بعلها عليهم صلوات الله، و اول ظلم كان لها هو غصب خلافة بعلها علي بن ابي طالب بعد شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله مما ادت التداعيات الى التجرؤ على دارها دار النبوة المباركة و التهجم عليها لا سيما بالضرب و اسقاط جنينها و حرق باب دارها و كانت تلك بدايات الممارسات الاموية بعد شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله، الممارسات التي ارادوا منها اجبار الامام علي بن ابي طالب عليه السلام على البيعة لخلافة ابن ابي قحافة، حيث جائوا الى دارها سلام الله عليها و ذكرت الروايات فعلتهم الشنيعة في بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله التي يغضب الله لغضبها كما في كتاب الامامة والسياسة باسناده عن عبد الرحمن الانصاري (من اهل السنة):(… وأنّ أبا بكر تفقّد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي كرّم الله وجهه، فبعث اليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار عليّ، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب، وقال: والذي نفس عمر بيده، لتخرجنّ أو (لأحرقنّها) على من فيها !!. فقيل له: يا أبا حفص ! إنّ فيها فاطمة؟! فقال : وإن !!…) رواه ابن قتيبة الدينوري في الامامة والسياسة 1/ 30 .
و ذكر في المختصر في أخبار البشر(من اهل السنة) :…"فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار، فلقيته فاطمة رضي الله عنها، وقالت: إلى أين يا ابن الخطاب، أجئت (لتحرق دارنا)! قال : نعم، أو تدخلوا فيما دخلت به الأمة!". أورده أبو الفداء إسماعيل في المختصر في أخبار البشر 1/156 .
و آلت تلك الاحداث الشنيعة الى مرضها و شهادتها.
علي بن ابي طالب عليه السلام بعد الزهراء عليها السلام
قال المسعودي: لما قبضت عليها السلام جزع علي جزعاً شديداً واشتد بكاؤه وظهر أنينه وحنينه وبعد أن كفنها علي عليه السلام بسبعة أثواب وقبل أن يعقد الرداء عليها نادى: يا أم كلثوم يا زينب يا فضة يا حسن يا حسين هلموا و تزودوا من أمكم الزهراء فهذا الفراق واللقاء في الجنة فأقبل الحسنان عليهما السلام يقولان: واحسرتاه لا تنطفئ من فقد جدنا محمد المصطفى وأمنا الزهراء إذا لقيت جدنا فأقرئيه منا السلام وقولي له: إنا بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا فقال علي عليه السلام أشهد أنها حنت وأنت ومدت يديها وضمتهما إلى صدرها ملياً وإذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن إرفعهما فلقد أبكيا والله ملائكة السماء فرفعهما عنها وعقد الرداء عليها وصلى عليها ومعه الحسن والحسين عليهما السلام وعقيل وعمار وسلمان والمقداد وأبوذر ودفنها... وكان لها من العمر آنذاك 18سنة.
و لم يعلم مكان قبرها عليها السلام فقد اخفاه الامام علي عليه السلام بامر منها و حفر في البقيع سبعة قبور و يقال اربعين قبرا مموها مكان قبرها الشريف احترازا من النبش، وبالفعل كانت هناك محاولة لنبش القبور بحثا عنها سلام الله عليها فبلغ ذلك امير المؤمنين علي عليه السلام فخرج مغضبا عليه قباؤه الأصفر الذي يلبسه عند الكريهة وبيده سيف ذوالفقار وهو يقسم بالله: لئن حول من القبور حجر ليضعن السيف فيهم.
اعداد / الشيخ عبد الحسين باقر
اترك تعليق