ولد الإمام علي(عليه السلام) بمكة المشرفة داخل البيت الحرام ، وفي جوف الكعبة في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب الأصب سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة، ولم يولد في بيت الله الحرام قبله أحد ، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالاً له ، وإعلاءً لمرتبته ، وإظهاراً لتكرمته .روي عن يزيد بن قعنب أنّه قال: كنت جالساً مع العباس بن عبد المطلب وفريق من بني عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين(عليه السلام) ، وكانت حاملاً به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق، فقالت: يا ربّ إنّي مؤمنة بك ،وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإنّي مصدّقة بكلام جديّ إبراهيم الخليل(عليه السلام) ، وإنّه بنى البيت العتيق، فبحقّ الذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في بطني إلا ما يسّرت عليَّ ولادتي.قال يزيد: فرأيت البيت قد انشق عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا ، وعاد إلى حاله والتزق الحائط، فرمْنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله عَزَّ وجَلَّ، ثمّ خرجت في اليوم الرابع ، وعلى يدها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) .وأسرع البشير إلى أبي طالب وأهل بيته ، فأقبلوا مسرعين والبِشر يعلو وجوههم، وتقدّم من بينهم محمّد المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) فضمّه إلى صدره، وحمله إلى بيت أبي طالب حيث كان الرسول في تلك الفترة يعيش مع خديجة في دار عمه منذ زواجه وانقدح في ذهن أبي طالب أن يسمّي وليده (عليّاً) وهكذا سمّاه، وأقام أبو طالب وليمةً على شرف الوليد المبارك، ونحر الكثير من الأنعام.
تربى في كنف النبوة :
كان النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يتردّد كثيراً على دار عمّه أبي طالب بالرغم من زواجه من خديجة ، وعيشه معها في دار منفردة، وكان يشمل عليّاً(عليه السلام) بعواطفه، ويحوطه بعنايته، ويحمله على صدره، ويحرّك مهده عند نومه إلى غير ذلك من مظاهر العناية والرعاية .وكان من نِعَم الله عزّ وجلّ على عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وما صنع الله له وأراده به من الخير أنّ قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) للعبّاس وكان من أيسر بني هاشم : يا عبّاس، إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة، فانطلق بنا، فلنخفّف عنه من عياله، آخذ من بيته واحداً، وتأخذ واحداً، فنكفيهما عنه ، قال العباس: نعم.فانطلقا حتى أتيا أبا طالب ، فقالا له:إنّا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه ، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً(عليه السلام) فضمّه إليه وكان عمره يومئذ ستة أعوام، وأخذ العبّاس جعفراً، فلم يزل عليّ بن أبي طالب مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حتى بعثه الله نبيّاً، فاتّبعه عليّ(عليه السلام) فآمن به وصدّقه، ولم يزل جعفر عند العبّاس حتّى أسلم واستغنى عنه .وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن اختار عليّاً(عليه السلام) : (قد اخترت من اختاره الله لي عليكم عليّاً ).وهكذا آن لعليّ(عليه السلام) أن يعيش منذ نعومة أظفاره في كنف محمّد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حيث نشأ وترعرع في ظل أخلاقه السماويّة السامية، ونهل من ينابيع مودّته وحنانه، وربّاه(صلى الله عليه وآله وسلم) وفقاً لما علّمه ربّه تعالى، ولم يفارقه منذ ذلك التأريخ.وقد أشار الإمام عليّ(عليه السلام) إلى أبعاد التربية التي حظي بها من لدن أستاذه ومربّيه النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) ومداها وعمق أثرها، وذلك في خطبته المعروفة بالقاصعة: (وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عَرْفه ، وكان يمضغ الشيء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل) .إلى أن قال:(ولقد كنت أتّبعه اتباع الفصيل اثر أمه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء ، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنّة؟
فقال: هذا الشيطان آيس من عبادته، إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى إلاّ أنّك لست بنبيّ، ولكنّك وزير، وأنّك لعلى خير).
فضائله على سائر الخلق:
كان -صلوات الله عليه- أول من آمن برسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و جاء في تأريخ دمشق لابن عساكر عن أنس بن مالك قال : أنزلت النبوّة على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الاثنين وصلّى عليّ(عليه السلام) يوم الثلاثاء .كما روي عن سلمان الفارسي في الاستيعاب لابن عبد البرّ المالكي بهامش الإصابة أَنّه قال: أوّل هذه الأمة وروداً على نبيّها (صلى الله عليه وآله وسلم) الحوض، أوّلها إسلاماً عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) .وكان للإمام علي (عليه السلام) مواقف كبيرة في نشأة و حماية الإسلام ومنها قتل عمرو بن ود العامري في معركة الخندق التي قلب بها موازين الحرب لصالح المسلمين ، و منها قتل مرحب في معركة خيبر وكان مرحب من أشجع و أقوى الفرسان على الإطلاق ، وأيضاً نومه في فراش النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و كان نومه عرضة للخطر على حياته الشريفة ، و كان عالماً في دقائق الأمور وعامتها و لا يسأل إلا و كانت له إجابة شافية ترضي السائل و كان -صلوات الله عليه- يتبع النبي محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) كاتباع الفصيل لأمه ، وكان -صلوات الله عليه- يتصدر البطولات في كل الحروب التي خاضها النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، و له من الفضائل ما لا تعد ولا تحصى و لا يستوعبها النص القليل.
كناه وألقابه :
إن لأمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) ألقاباً وكنىً ونعوتاً يصعب حصرها والإلمام بها، وكلّها صادرة من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في شتى المواقف والمناسبات العديدة التي وقفها(عليه السلام) لنشر الإسلام ، والدفاع عنه وعن الرسول.فمن ألقابه(عليه السلام) : أمير المؤمنين، ويعسوب الدين والمسلمين، ومبير الشرك والمشركين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، ومولى المؤمنين، وشبيه هارون، والمرتضى، ونفس الرسول، وأخوه، وزوج البتول، وسيف الله المسلول، وأمير البررة، وقاتل الفجرة، وقسيم الجنّة والنار، وصاحب اللواء، وسيّد العرب، وكشّاف الكرب، والصدّيق الأكبر، وذو القرنين، والهادي، والفاروق، والداعي، والشاهد، وباب المدينة، والوالي، والوصيّ، وقاضي دين رسول الله، ومنجز وعده، والنبأ العظيم، والصراط المستقيم، والأنزع البطين .
وأمّا كناه فمنها:
أبو الحسن، أبو الحسين، أبو السبطين، أبو الريحانتين، أبو تراب.
اترك تعليق