الاِمام الاَوّل : أمير المؤمنين عليّ المرتضى - عليه السّلام-

الاِمام الاَوّل : عليّ المرتضى - عليه السّلام-(10 قبل المبعث - 40 هـ) وهذا مختصر من سيرته عليه السلام . هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، أبو الحسن القرشي الهاشمي، أخو رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم -، ووصيّه، ووارث علمه، وصهره على ابنته فاطمة سيدة نساء العالمين، وأبو السبطين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين، وخاتم الوصيّين، وأوّل القوم ايماناً، وأعظمهم حلما، وأقومهم بأمر الله، وأوفاهم بعهد الله، وأعلمهم بالقضية، وراية المهتدين، ومنار المؤمنين، ونور المطيعين، وولي المتقين، وإمام العادلين، وباب مدينة العلم، وباب الحكمة، خليفة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، والممسوس في ذات الله، وليد الكعبة، صاحب القلب العقول واللسان السؤول والأذن الواعي والعهد الوافي فقاء عيون الفتن ووقي من فنون المحن، دافع الناكثين، وواضع القاسطين، ودامغ المارقين .. ولادته ونشأته عليه السلام ولد في الكعبة المشرّفة في الثالث عشر من رجب قبل المبعث بعشر سنين، ثم أخذه النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ليعيش في كنفه، وذلك بعد أن أصابت قريشاً أزمة وعلي في مطلع صباه ـ من بين أولاد أبي طالب، واتّخذه ولداً، فترعرع في كنفه، ولازمه طول حياته حتى في تلك الاَيام التي كان النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - يعتكف فيها في غار حراء، فتخلّق بأخلاقه، واقتدى به في أقواله وأفعاله، ونهل من نمير علمه. مع الدعوة المحمدية ولما بُعث النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - كان عليّ أوّل من أسلم، وكان قبل ذلك قد كرم اللّه وجهه من السجود لصنم، وله - عليه السّلام- مواقف خالدة في الذبِّ عن رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - ونصرته، ففي حصار الشِّعب كان أبوه أبو طالب سيد البطحاء ينيمه في فراش رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم -، فينام مواجهاً للخطر، طيّبة بذلك نفسه، ولما هاجر رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - إلى المدينة أمر علياً - عليه السّلام- أن ينام في فراشه، وأوصاه بأداء أماناته، ففعل ذلك. فضله ومكانته في الإسلام وكان -عليه السّلام- قطب الرحى في كل معارك الاِسلام: بدرٍ وأحد والخندق وخيبر وسائر المشاهد التي أبلى بها البلاء العظيم، وقام فيها المقام المحمود، حتى استقر الدين وضرب بجرانه الاَرض. وقد نزلت في أمير المؤمنين -عليه السّلام- خاصة، وفي أهل البيت عامّة، آيات كثيرة تحدثت عن فضلهم ومقامهم وقدسيتهم. فقد قال ابن عباس قال: "نزلت في علي ثلاثمائة آية" [1]، وعن ابن عباس أيضاً قال: "ما نزل في أحد من كتاب اللّه ما نزل في عليّ".. وأما ما ورد من روايات تذكر فضائله ومكانته فهي كثير، قد صنف فيها العلماء من الفريقين حتى قال إمام الحنابلة فيها : "ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب" [2]. وكان أعلم الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، كما قال رسول الله : "أنا مدينة العلم وعلي بابها" [3]، وكذلك قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : «أقضاكم عليّ» وغيرها من الأحاديث التي تظهر مكانته العلمية بين المسلمين مما جعله مرجعاً لجميع الصحابة، ولم يرجع إلى أحد قط، وكان الخلفاء يستشيرونه، ويرجعون إليه في مشكلات الحكم والقضاء، فيرشدهم - عليه السّلام- ويهديهم إلى الحل، حتى اشتهر عن عمر بن الخطاب أنّه كان يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو حسن، ولم يقل أحد سلوني قبل أن تفقدوني غير علي - عليه السّلام- . فرض ولايته عليه السلام على المسلمين يوم غدير خم ويكفي من عظيم شأنه النص على ولايته على الناس. وذلك بعد أن قال الله تعالى للنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: {يا أَيُّها الرَّسُولُ بَلِّغ ما أُنْزِلَ إليَكَ مِن رَبِّكَ} (المائدة / الآية 67 ) يعني في استخلاف علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام والنص بالإمامة عليه {وإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رسالَتَهُ واللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ} (المائدة / الآية 67 ) فأكد به الفرض عليه بذلك، وخوفه من تأخير الأمر فيه، وضمن له العصمة ومنع الناس منه. فنزل رسول الله صلى عليه وآله غدير خم ونزل المسلمون حوله، وكان يوما قائظا شديد الحر، فأمر عليه السلام بدوحات هناك فقم ما تحتها، وأمر بجمع الرحال في ذلك المكان، ووضع بعضها على بعض، ثم أمر مناديه فنادى في الناس بالصلاة. فاجتمعوا من رحالهم إليه، وإن أكثرهم ليلف رداءه على قدميه من شدة الرمضاء. فلما اجتمعوا صعد عليه وآله السلام على تلك الرحال حتى صار في ذروتها، ودعا أمير المؤمنين عليه السلام فرقى معه حتى قام عن يمينه، ثم خطب للناس فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ فأبلغ في الموعظة، ونعى إلى الأمة نفسه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : "إني قد دعيت ويوشك أن أجيب، وقد حان مني خفوف من بين أظهركم، وإني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ثم نادى بأعلى صوته: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟) فقالوا: اللهم بلى، فقال لهم على النسق، وقد أخذ بضبعي أمير المؤمنين عليه السلام فرفعهما حتى رئي بياض إبطيهما وقال: "فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله [4]. ثم أمر أزواجه وجميع نساء المؤمنين معه أن يدخلن عليه، ويسلمن عليه بإمرة المؤمنين ففعلن. وكان ممن أطنب في تهنئته بالمقام عمر بن الخطاب فأظهر له المسرة به وقال فيما قال: بخ بخ يا علي، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة [5]. معاناته بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله . ولكن ما أن توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في سنة إحدى عشرة، واشتغل علي عليه السّلام وأهل البيت بتجهيزه، حتى سلب حقه ومكانه الحقيقي حين عقدت الاَنصار وبعض المهاجرين اجتماعاً في سقيفة بني ساعدة، وبعد مناقشات حادّة، تمة بيعة لأبي بكر بالخلافة، وبذلك ازيح من مكانه، واستمر الحال حين أوصى أبو بكر لعمر بالخلافة بعده، ومن بعد عمر أخذها عثمان بن عفان بعد أن جعلها شورى بين ستة، ولما قُتل عثمان بويع للإمام علي عليه السّلام بالخلافة، ثم نكث بيعته بعض الصحابة وساروا إلى البصرة -وهم الناكثون- كما سماهم رسول الله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فكانت معركة الجمل، وتلتها معركة صفين مع معاوية بن أبي سفيان ومعه أهل الشام –وهم القاسطون-، وقد انتهت معركة صفين بخدعة رفع المصاحف، والتي اضطر بسببها الاِمام عليه السّلام إلى قبول التحكيم، ثم معركة النهروان مع الخوارج –وهم المارقين-، وبذلك تحقق إخبار رسول الله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في حق قتال الإمام علي عليه السلام هذه الفرق الثلاثة، كما قال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : "سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي بن أبي طالب : تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ..."[6] استشهاده عليه السلام ثم استشهد أمير الموَمنين عليه السّلام ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، بعد أن ضربه أشقى الآخرين الخارجي عبد الرحمن بن ملجم، وهو في المحراب يصلي ليلة التاسع عشر من من شهر رمضان . ودفن عليه السلام في ظهر الكوفة (النجف الأشرف) . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1]- تاريخ بغداد / ج ٦ / ص ٢٢١، ورواه ابن عساكر في ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج ٢ ص ٤٣١ رقم/ ٩٣٤ [2]- المستدرك على الصحيحين - للحاكم النيسابوري / ج3 / ص 107 ، وأخرجه ابن الجوزي في " مناقب أحمد " . [3]- عيون أخبار الرضا- للشيخ الصدوق / ج1 / ص 73 ، المستدرك على الصحيحين / ج3 / ص137 / ح4637 . [4]- أخرج حديث الغدير جمع كبير من الحفّاظ والمحدّثين، وذكره الموَرخون والمفسرون في كتبهم وأفرده بالتأليف آخرون، واتفق الفريقان على صحته وتواتره، وشهد به ستة عشر صحابياً، وفي رواية لاَحمد ابن حنبل ثلاثون صحابياً في زمن خلافة علي - عليه السّلام- . [5]– ينظر : الإرشاد – للشيخ المفيد / ص 119 . [6]- المستدرك على الصحيحين – للحاكم النيسابوري / ج 3 / ص 150/ ح 4675 . [7]- ينظر : موسوعة أصحاب الفقهاء .

المرفقات