ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال : ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة ، كلّها في النار والناجية منها واحدة(1).
وصرّح السيوطي بتواتر هذا الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)،كما في "فيض القدير"(2)، وكذلك الكتاني في "نظم المتناثر من الحديث المتواتر"(3)..
والسؤال : فمن هي الفرقة الناجية التي أشار إليها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حديثه المتواتر هذا ؟
أساسا هذا النبوي المتواتر ليس لغزاً حتى يصح السؤال: من هي الفرقة الناجية التي أشار إليها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الحديث المتواتر؟! إذ لو كان كذلك للزم الالغاز والتعمية في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, الأمر الذي يتنافى مع الغرض الذي لأجله بعث وهو هداية الناس و إرشادهم الى الطريق الصحيح لعبادة الله والنجاة من النار.
فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ينذر الناس ويحذرهم من كل ما يضرهم في دينهم و دنياهم، و كما انه يبشرهم بالخير اذا سلكوا طريق الخير و الصراط المستقيم.
اذن فبمقتضى الغرض الذي لأجله بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يمكن بحال من الاحوال ان يصدر منه كلاما مبهما لا يهتدي إليه أحد من امته, والغريب ان أحدا من أصحابه لم ينبس ببنت شفة فيسأل عن تلك الفرقة التي ستنجو ليهتدي إليها وجميع الناس فيكونوا منها لينجوا من النار.
فالحق الذي لا يشوبه غموض هو ان الحضور كانوا على علم بتلك الفرقة التي عناها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك من خلال بياناته المتواترة والمعتبرة التي ترشد إلى هذه الفرقة الناجية .. وأهم هذه البيانات هو حديث الثقلين الوارد فيه : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(4).
وقد نصّ على تواتر الحديث المذكور ابن حجر الهيتمي في "الصواعق المحرقة" حين قال : «ثم اعلم أنّ لحديث التمسك بذلك طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً»(5). انتهى
وكذلك الألباني في السلسلة الصحيحة ، الجزء الرابع ، رواه عن العديد من الصحابة - وفي بعضها بأكثر من طريق عن صحابي واحد - ، وقد صرّح علماء أهل السنّة بأنّ الحديث يكون متواترا إذا رواه عشرة من الصحابة فقط ، كما ينص على ذلك السيوطي (6) .. فما بالك بحديث يكون رواته أكثر من عشرين صحابيا ؟!.
ولو بحثنا عن طائفة أو جماعة محددة تنطبق عليها مواصفات الولاء والاقتداء بأهل البيت (عليهم السلام) حتى تكون هي الفرقة الناجية بمقتضى حديث الثقلين المتقدم لما وجدنا غير الشيعة الإمامية فهم من اتصفوا بالولاء والاقتداء بأهل البيت عليهم السلام.
ويشهد لهذا الذي قلناه علماء أهل السنّة ومؤرخيهم وأرباب الفرق والملل والنحل والكتّاب ، منهم ابن تيمية وابن القيم والألباني وابن عثيمين بأنّ الشيعة هم الذين يوالون أهل البيت ويأخذون دينهم عنهم(7).وحتى صارت الصلاة على الآل شعاراً للشيعة دون أهل السنة كما يشهد بذلك الشيخ صالح آل الشيخ في كتابه "اللآلئ البهية"(8).
1ـ قال الشهرستاني في كتابه "الملل والنحل": الشيعة هم الذين شايعوا عليّاً رضي الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصيّة، إما جليّاً وإما خفيّاً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده(9).
2ـ وقال ابن منظور في "لسان العرب"، والفيروز أبادي في "القاموس المحيط"، والزبيدي في "تاج العروس": وقد غلَب هذا الاسم (أي الشيعة) على مَن يتوالى عليّاً وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين، حتى صار لهم اسماً خاصاً، فإذا قيل: (فلان من الشيعة) عُرف أنه منهم(10) .
3ـ وقال الزهري: والشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي (صلى الله عليه وسلم) ويوالونهم(11).
4ـ وقال ابن خلدون: اعلم أنّ الشيعة لغةً: الصَّحْب والأتْبَاع، ويُطلَق في عُرْف الفقهاء والمتكلِّمين من الخلَف والسلف على أَتْبَاع علي وبنيه رضي الله عنهم(12).
5- وجاء عن ابن تيمية في "مسألة تعليق الطلاق" وهو يتحدث عن بعض الأحكام الشرعية في مسائل الطلاق وممن وافق الشافعي فيها، قال :(( ومن وافقه كابن حزم من السنة، وكالمفيد والطوسي والموسوي وغيرهم من شيوخ الشيعة ،وهم ينقلون ذلك عن فقهاء أهل البيت ( إلى أن يقول عن الشيعة )لكن جمهور ما ينقلونه عن الشريعة موافق لقول جمهور المسلمين ،فيه ما هو من مواقع الإجماع ، وفيه ما فيه نزاع بين أهل السنة ،فليس الغالب فيما ينقلونه عن هؤلاء الأئمة من مسائل الشرع الكذب، بل الغالب عليه الصدق))(13). انتهى
6- وجاء عن ابن القيم الجوزية في كتابه "الصواعق المرسلة" : (( الوجه التاسع: إن فقهاء الإمامية من أولهم إلى آخرهم ينقلون عن أهل البيت أنه لا يقع الطلاق المحلوف به وهذا متواتر عندهم عن جعفر بن محمد وغيره من أهل البيت وهب أن مكابرا كذبهم كلهم وقال قد تواطئوا على الكذب عن أهل البيت ففي القوم فقهاء وأصحاب علم ونظر في اجتهاد وإن كانوا مخطئين مبتدعين في أمر الصحابة فلا يوجب ذلك الحكم عليهم كلهم بالكذب والجهل وقد روى أصحاب الصحيح عن جماعة من الشيعة وحملوا حديثهم واحتج به المسلمون...))(14). انتهى
7- وعن عامر عبد الله فالح ، من كتاب السلفية المعاصرين ، في كتابه "معجم ألفاظ العقيدة" الذي قال في مقدمته : ( اخترت أوثق الأقوال في كثير من المسائل لعلماء متقدمين ومتأخرين ومعاصرين ) ..قال معرفا بالشيعة : (( الشيعة : هم الذين شايعوا عليا على الخصوص ، وقالوا بإمامته وخلافته نصا ووصاية إما جليا وإما خفيا ، وقالوا أن الإمامة لا تخرج عن أولاده وإن خرجت فبظلم من غيره أو بتقية من عنده ))(15) انتهى
اذن فالشيعة - وباعتراف مؤرخي الفرق والمذاهب عند المسلمين جميعا - هي الفرقة الوحيدة التي توالي أهل البيت عليهم السلام وتأخذ دينها عنهم ،فقها وعقائدا.
وهناك عشرات الأحاديث التي تشير إلى ان الشيعة هي الفرقة الناجية ، حيث تواترت الاحاديث بالقول أن الشيعة هم الفائزون يوم القيامة, روى الهيثمي في مجمع الزائد قال: «عن زيد بن وهب قال: بينا نحن حول حذيفة إذ قال: كيف أنتم وقد خرج أهل بيت نبيكم صلى الله عليه [وآله] وسلم فرقتين يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف؟ فقلنا: يا أبا عبد الله وان ذلك لكائن؟ فقال بعض أصحابه: فكيف نصنع إن أدركنا ذلك الزمان؟ قال: انظروا الفرقة التي تدعوا إلى أمر عليّ فالزموها فإنها على الهدى». قال الهيثمي: «رواه البزار ورجاله ثقات».
ومن ذلك ما رواه الحافظ ابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" (42/333) : عن أبي سعيد الخُدري أنَّه قال: "نظر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى عليٍّ فقال: هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة" .
وقد اتفق المسلمون سنة وشيعة على رواية هذا المضمون، أي فوز الشيعة بالجنة, جماعها سبعة وأربعون حديثا, من واحد وثلاثين طريقا, عن ثلاثة عشر صحابيا, فيكون قد حصل بذلك التواتر, وإليك مصادر الحديث من كتب أهل السنة :
1 – فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل (2/773) برقم (1068) .
2 – تفسير الطبري (30/335) برقم (29208) .
3 - الذرية الطاهرة للحافظ الدولابي: 120 ـ 121 .
4 - المعجم الكبير للطبراني: (1/319 ـ 320) .
5 - المعجم الأوسط للطبراني: (4/187) ، (7/343) .
6 - جزء الحافظ ابن الغطريف: 81 ـ 82 .
7 - المستدرك للحاكم النيسابوري: (3/174 ـ 175) .
8 - تاريخ بغداد للحافظ الخطيب البغدادي: (12/284) .
9 - مناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي الشافعي: 113 ، 157 ـ 158 ، 179 ـ 180 ، 183 ـ 184.
10 – شواهد التنْزيل للحاكم الحسكاني: (1/178) ، (2/295 ، 459 ، 461 ، 462 ، 463 ، 464) .
11 – المناقب للموفق بن أحمد: 73 ، 113 ، 129 ، 159 ، 265 ـ 266 ، 294 ، 317 ، 319 ، 323 ، 326 ، 328 ، 331.
12 - تاريخ مدينة دمشق للحافظ ابن عساكر: (14/169) ، (42/65 ، 332 ، 333) .
وبعد جميع ما تقدم يتضح بما لا مجال معه للشك ان الفرقة الناجية هي الشيعة الإمامية .
الكاتب: السيد مهدي الجابري
______________________________
(1)أخرجه أبو داود وابن ماجة وأحمد والهيثمي وابن أبي عاصم والسيوطي وابن حجر والتبريزي والألباني وغيرهم، وهو حديث مشهور ومتفق على صحته كما يقول ابن تيمية .
(2)فيض القدير 2: 27.
(3)نظم المتناثر من الحديث المتواتر : 47
(4) مختصر صحيح الجامع الصغير للسيوطي والألباني ، رقم الحديث 1726- 2458..وصحيح سنن الترمذي 3: 543 برقم: 3788.
(5)الصواعق المحرقة : 209.
(6)انظر :شرح المهذب للنووي 19: 232.
(7)انظر : تأريخ ابن خلدون 1: 196، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 2: 519، الملل والنحل للشهرستاني 1: 146 ، التعريفات للجرجاني 1: 171، مسألة تعليق الطلاق لابن تيمية ،ص 697، الصواعق المرسلة لابن القيم ،ص 616، الفتاوى المهمة للألباني ،ص 154 ، مذكرة على العقيدة الواسطية لابن عثيمين، ص 57 .
(8)اللآلئ البهية: 410.
(9)الملل والنحل 1: 146.
(10)لسان العرب 8 :189. القاموس المحيط 3 :49. تاج العروس 21: 303.
(11)لسان العرب 8: 189. تاج العروس 21: 303.
(12)مقدمة ابن خلدون:196.
(13)مسألة تعليق الطلاق: 697، 698.
(14)الصواعق المرسلة 1: 616 ، 617.
(15)معجم ألفاظ العقيدة : 247.
اترك تعليق