الشبهة : التحقيق في حياة الصحابة زندقة

قال أبو زرعة الرازي : " فإذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من اصحاب رسول الله فأعلم انه زنديق ، وذلك ان الرسول عندنا حق ، والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنة أصحاب رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة المعدلون ، والجرح بهم اولى وهم زنادقة" .

اقول : ان عنوان الزندقة لا ينطبق على المسلم الساب والشاتم لا كلاً ولا بعضاً ولا الإنتقاص كذلك , لانّ الزندقة "من الثنوية او القائل بالظلمة والنور او من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية او هو من يبطن الكفر ويظهر الايمان ", وهذا المسلم قد أظهر - بحسب زعمهم - السب والشتم فلا يكون مصداقا من مصاديقها ؛ لان المفروض انه يبطن الكفر ويظهر الايمان , ولكن الواقع خلاف ذلك حيث اظهره فلا يكون منها .

اذن فسابّ الصحابة لا ينطبق عليه معنى الزنديق لأنه يبطن الكفر ويظهر الايمان , والساب بخلافه - على تقدير كون السب كفرا - فانه قد اظهره .

ومن قول ابو زرعة ( يريدون ان يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة) ينشأ هذا التساؤل : من ذا الذي عدّل شهودكم ؟ سيقولون : الكتاب والسنة , فيقال لهم : اذا كان الكتاب والسنة هما المعدلون لشهودكم فكيف يبطل الكتاب والسنة بجرح شهودكم ؟! اضف الى ذلك ان الله عز وجل قال : { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } .

ثم ان الكتاب هو أول من انتقص بعضا من الصحابة وفسق بعضا منهم وصرح بنفاق بعض , حيث قال تعالى : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ } (سورة التوبة 101) , وقد نزل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } (سورة الحجرات 6) بإطباق اكثر المفسرين وأرباب اسباب النزول في الوليد بن عقبة .

ومنهم من ترك رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم), قائما في مسجده يخطب الجمعة , وذهبوا وراء التجارة واللهو , فقال تعالى : { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا } (سورة الجمعة11) , ومنهم من تواطئ على اغتيال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم), ليلة العقبة وكان عددهم اثني عشر او اربعة عشر او خمسة عشر رجلا من الصحابة , قال تعالى : { وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا } (سورة التوبة 74) وهذه الاية بإطباق اكثر المفسرين انها نزلت في هؤلاء عندما هموا و ارادوا الفتك برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) .

وقد صرح القران كذلك بان عائشة وحفصة صغت قلوبهما وتظاهرتا على النبي(صلى الله عليه واله وسلم), قال تعالى : { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } (سورة التحريم 4) الى ان قال : { ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ } (سورة التحريم 10 - 11)

وقد هدد القران زوجات النبي(صلى الله عليه واله وسلم), وهن صحابيات بلا شك , فقال في شأنهن : { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا } (سورة الأحزاب 30 - 31) , وهذا عين ما تقوله الشيعة الامامية من ان الجميع خاضعون للموازين الاسلامية دون استثناء , الصحابة وغيرهم , ونساء النبي(صلى الله عليه واله وسلم) وغيرهن .

ثم انه ليس لجرح الشهود دخالة في إبطال الكتاب والسُنّة، بل على العكس من ذلك فلو قام المسلم بالتحقيق في حياة الصحابة وتحمل العبء الثقيل فإنما هو لفرط الاحتياط في اخذ معالم الدين , ومن غير الصحيح ان يتهم من يريد التثبت في امور دينه بالزندقة , وانه اراد بذلك جرح شهود المسلمين لإبطال الكتاب والسنة , اذ ليس الدين قائما بهذا البعض من المجروحين ممن استتروا على نفاقهم فلم يظهروه، وان العقل والمنطق السليم يحث على البحث عن عدالتهم.

وإنَّ بعض الصحابة انتقصوا وسبّوا وجرحوا غيرهم من الصحابة، وخصوصاً الصحابة الذين انتقصوا وسبّوا وجرحوا الاِمام عليّاً (عليه السلام)، وهو الاَقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان على رأس الصحابة الذين أدّوا إلينا القرآن والسُنّة، وهو الاَعلم بكتاب الله وسُنّة رسوله كما تظافرت على ذلك الروايات , إلا ان ابا زرعة لم يزندق اولئك الذين ظلوا ستين عاما يشتمون ويلعنون علي بن ابي طالب(عليه السلام), على المنابر وبينهم عددا من الصحابة امثال المغيرة بن شعبة, واذا كان المبرر بانهم صحابة اجتهدوا فاخطأوا وقد امرنا بالإمساك عما شجر بينهم , فما تقول فيمن هو دون الصحابة يبغض ويشتم ويسب الصحابة , مثل الناصبي عبد الله بن شقيق العقيلي الذي يبغض ويشتم امير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام) , وهو من اكابر صحابة رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) , وعظمائهم والذي جاء فيه على لسان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : "من سب علي فقد سبني ومن سبني فقد سب الله " , فبماذا يا ترى حكم ابو زرعة على هذا الناصبي الساب لخيرة صحابة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ؟ حكم بأنه ثقة !!

هذا , والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على خاتم الانبياء والمرسلين محمد واله الطيبين الطاهرين .

الكاتب / السيد مهدي الجابري

المرفقات