دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)

نص الحديث:

أخرج أحمد بن حنبل بسند صحيح عن زيد بن أرقم قال:

نزلنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بواد يقال له: وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاّها بهجير، قال: فخطبنا، وظلّل لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فقال رسول الله: «ألستم تعلمون ؟ ألستم تشهدون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه ؟» قالوا: بلى، قال: «فمن كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه، اللهمّ عاد من عاداه ووال من والاه»(1) .

وأخرج النسائي بسند صحيح عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: لمّا رجع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن ـ أي فكنسن ـ ثمّ قال: «كأنّي قد دعيت فأجبت، وإنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الاخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض»، ثمّ قال: «إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن»، ثمّ إنّه أخذ بيد علي (رضي الله عنه) وقال: «من كنت وليّه فهذا وليّه، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه».

يقول أبو الطفيل: فقلت لزيد: سمعته من رسول الله ؟ فقال: إنّه ـ وفي بعض الالفاظ: والله، بدل إنّه ـ ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينه وسمعه بأُذنيه(2)

إثبات التواتر اللفظي لحديث الغدير:

ورأينا أنّ هذا الحديث حديث متواتر، بل لقد تجاوز حدّ التواتر بأضعاف مضاعفة، والتواتر كما تعلمون على أقسام:

تارة التواتر لفظي.

وتارة التواتر إجمالي.

وتارة التواتر معنوي.

وبقرينة ذكر القوم هذا الحديث في كتبهم المتعلّقة بالاحاديث المتواترة يظهر أنّ هذا الحديث بهذا اللفظ متواتر، وهذا شيء مهم، لانّهم في كتب الحديث وعلم دراية الحديث ـ إذا راجعتم ـ يقولون بأنّ التواتر اللفظي قليل جدّاً، حتّى أنّهم يحصرون التواتر اللفظي بحديث إنّما الاعمال بالنيّات فقط، وربّما أضافوا إلى هذا الحديث حديثاً آخر، هكذا يدّعون، ويقولون بأنّ الاحاديث الواصلة إلينا من رسول الله هي وإن كانت متواترة إلاّ أنّها متواترة معنى أو إجمالاً، هذا في أكثر الاحاديث الواصلة إلينا التي يمكننا أن ننسبها إليه (صلى الله عليه وآله) بالقطع واليقين.

إلاّ أنّ حديث الغدير بهذا اللفظ متواتر، وهذا شيء له أهميّته، ولابدّ من الدقّة في هذه النقطة فإنّها أمر مهم.

وقد نصّ الشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب كتاب التحفة الاثنا عشرية.

هذا الكتاب الذي طبع مختصره بالعربية بقلم الالوسي البغدادي، ونشره بعض أعداء الدين مع تعاليق شحنها بالسباب والشتائم وبالشحناء والبغضاء لاهل البيت ولشيعتهم.

يقول المولوي عبد العزيز الدهلوي في كتابه التحفة الاثنا عشرية: إنّ الحديث إذا وصل حدّ التواتر وأصبح قطعي الصدور عن رسول الله، كان بمنزلة آية قرآنيّة، فكما أنّ القرآن الكريم مقطوع الصدور من الله سبحانه وتعالى، ولا ريب في أنّ هذا القرآن مقطوع الصدور من الله سبحانه وتعالى، ولا ريب في هذا القرآن وفي ألفاظه ووصول القرآن الكريم إلينا بالتواتر القطعي، فكلّ حديث يروى عن رسول الله ويصل إلينا بأسانيد تفيد القطع واليقين يكون هذا الحديث بحكم الاية القرآنيّة وبمثابة القرآن الكريم.

إذن أصبح قوله (صلى الله عليه وآله): «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» بمثابة آية في القرآن الكريم من حيث أنّه مقطوع الصدور.

لابدّ من بيان وجه الاستدلال بهذا الحديث المتواتر قطعاً على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام).

وجه الاستدلال بهذا الحديث يتلخّص في أنّه (صلى الله عليه وآله) بعد أنْ أخذ منهم الاقرار وأشهدهم على أنّه أولى بهم من أنفسهم، مشيراً إلى قوله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)(3) ، مقتضى هذه الاية المباركة كون النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم في كلّ مالهم الولاية عليه، فأخذ منهم الاقرار على هذا المعنى، ثمّ فرّع على ذلك بقوله: «فمن كنت وليّه» ويوجد في بعض الالفاظ «فمن كنت أميره» «فعليّ مولاه» «فعليّ وليّه» «فعليّ أميره» إلى آخره، فأثبت رسول الله (صلى الله عليه وآله)لعلي ما ثبت له من الاولويّة بالناس من الناس، أي من أنفسهم، ثمّ إنّهم جميعاً بايعوه على هذا وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، وهنّأوه، ونظمت فيه الاشعار.

ومحور الاستدلال بحديث الغدير كلمة «مولى»، ومجيء هذه الكلمة بمعنى «الاولى»، وذلك موجود في القرآن الكريم في سورة الحديد، موجود في الاحاديث النبوية المعتبرة حتّى في الصحيحين، موجود في الاشعار العربية والاستعمالات الفصيحة.

وحينئذ، يتمّ الاستدلال على ضوء الكتاب والسنّة والاستعمالات العربية الصحيحة الفصيحة.

وإذا كان أمير المؤمنين بمقتضى هذا الحديث أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فكلّ من عدا رسول الله، كلّ من كان مؤمناً عدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كان مؤمناً حقيقة أو ادّعي له الايمان، فعليّ أولى به من نفسه، بما فيهم كبار الصحابة ومشايخ القوم و... إلى آخره.

هذا وجه الاستدلال.

لكن في مقام الاستدلال لابدّ وأنْ ننتظر، ولننظر ماذا يقولون في مقابل هذا الاستدلال، وتلك هي الجهة الثانية.

فتلخص إلى هنا: إنّ حديث الغدير له جذور في القرآن الكريم، جذور في السنّة النبويّة المعتبرة القطعيّة المتفق عليها بين الفريقين، وجذور أيضاً في الاخبار والاثار.

وما أكثر المناشدات والاحتجاجات بحديث الغدير، من أمير المؤمنين أوّلاً، ومن الزهراء البتول بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن الائمّة الاطهار، ومن كبار الصحابة، والعلماء، وأيضاً في الاشعار الكثيرة، من كبار شعراء الصحابة أنفسهم وحتّى القرون المتأخّرة، فلحديث الغدير هكذا جذور.

ولو أردنا أن ندخل في هذا الباب لطال بنا المجلس، لانّ المناشدات وحدها تحتاج إلى أكثر من مجلس ، واحتجاج الصدّيقة الطاهرة سلام الله عليها بحديث الغدير وهي بضعة رسول الله، وكونها بضعة رسول الله ليس بالشيء الهيّن.

قول رسول الله: «فاطمة بضعة منّي» هذا الحديث موجود في الصحاح، ولاجل هذا الحديث نصّ غير واحد من أعلام القوم على أفضليّة الزهراء حتّى من الشيخين، تعلمون أنّهم يؤخّرون عليّاً عن عثمان، وعثمان متأخّر عن الشيخين، ويجعلون الفضيلة والافضليّة بترتيب الخلافة، هذا هو المشهور بينهم، لكنّ الزهراء سلام الله عليها يفضّلها بعضهم على الشيخين، بمقتضى حديث «فاطمة بضعة منّي» فهي الاُخرى أيضاً احتجّت بحديث الغدير.

حديث الغدير / السيد علي الميلاني / مع التصرف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مسند أحمد 5/501 رقم 18838 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ 1414 هـ.(2) فضائل الصحابة: 15 رقم 45 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.(3) سورة الاحزاب: 6.