يترد في كلام كثير من المسلمين أن القرآن دستور الإسلام مع أن المعروف أن يقتصر الدستور على القوانين الرئيسة العامة ويخلو من التكرير بينما نجد القرآن يتضمن بعض الأحكام الفرعية والقضايا الجزئية ويشتمل على تكرير الموضوعات والقصص مما لا ينسجم مع طبيعة الدساتير، فما هو الدور والمهمة التي يؤديها القرآن الكريم؟
الجواب : القرآن الكريم كتاب متمّيز له مجموعة من الخصائص والأدوارو أهمها هي:
1 ـ إنه أحد المرجعين الرئيسين للمسلمين في معرفة أصول دينهم وتعاليمه إلى جانب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) وسنّته كما قال تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) وقد جعله الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) أحد الثقلين اللذين خلّفهما لأمته بعد رحيله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كما أكده حديث الثقلين المعروف: (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).
2 ـ إنه معجزة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والإسلام الخالدة التي تحدى بها البشرية وغيرها على مرّ العصور: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) بل تطور التحدي إلى الإتيان بسورة مثله: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
3ـ إنه مَعلم شامخ لثقافة الإسلام وتعاليمه وأحكامه يحول دون مسخ وتحريف الهوية الإسلامية الأصيلة، وذلك أن المبادئ والأديان تتأثر بثقافات الأمم والنظريات المخالفة ولا تصمد عادة أمام أعاصير الزمن وتحولاته، ولذلك نلاحظ المدى الواسع للتشويه والمسخ الذي عانت منه الأديان السابقة بسبب انعدام النسخة الأصلية المعتمدة لكتبها السماوية حتى شمل أهم ركن فيها وهي عقيدة التوحيد.
وهنا نعرف أهميّة اشتمال القرآن على بعض الأحكام الفقهية والفرعية والتعاليم والجزئيات الثقافية المتنوعة وعدم اقتصاره على أُسس العقيدة والقوانين الرئيسية؛ لأن وجود نص قرآني واضح يتناول تلك المفردات والجزئيات في المجالات المختلفة يكون داعماً قوياً لما تضمنته النصوص الحاكية عن السُّنّة المشتملة على باقي التفاصيل، ومانعاً من تخرّصات وآراء وتحليلات متأثرة بثقافات أجنبية، تحس الكيان الثقافي الإسلامي وتمسخ محتواه.
وفي الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول: إن ستكون فتن. قلت: وما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه خبر ما قبلكم وما بعدكم، وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل، هوالذي لا تزيغ به الأهواء...
4 ـ إن القرآن الكريم لا يقتصر على سرد القوانين والتعاليم الإسلامية ضمن قوالب قانونية جافة؛ بل يؤدي دور وسيلة الإعلام المؤثرة التي تتناغم مع مشاعر الناس وعواطفهم من خلال أسلوبه المتميز في الفصاحة والبلاغة والتأثير؛ ولذلك ورد الحث على الإكثار من قراءته والتحذير من هجرانه، وقد أشار إلى هذا الدور قوله تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وهنا تبرز أهمية التكرار وتنّوع الأساليب القرآنية وحيويتها للتكيف مع مخاطبة مختلف المستويات وضمان الفاعلية والتأثير في كل الظروف.
5 ـ إن القرآن الكريم إضافة إلى كونه كتاباً دينياً فهو كتاب علمي دقيق يصلح مرجعاً للعلماء والباحثين على مرّ العصور، ولذلك لا نستغرب من اشتماله على كم ضخم من المفاهيم والبحوث العلمية الدقيقة والمعمّقةفي مجالات علمية متنوعة قد لا يكون بعضها دينياً بالمعنى الضيّق؛ ولذلك ورد التأكيد على التدبر والتعمق في أغواره بوصفه مرجعاً للعلماء والباحثين، ففي الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يتحدث عن القرآن: (... وله ظهر وبطن، فظاهره حكمة وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له نجوم وعلى نجومه نجوم، لا تحصى عجائبه، ولا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة، ودليل على المعروف لمن عرف النصفة، فليرعَ رجل بصره...).
من كتاب : مراجعات قرآنية / للسيد رياض الحكيم / مع التصرف .
اترك تعليق