من البحوث القرآنية الهامة هذا البحث الذي نحن بصدده لان نتيجة هذا البحث سوف تؤكد لنا سلامة المضمون في النص القرآني وسلامة الأسس والمفاهيم والأحكام المذكورة فيه.
ونقطة موضوع البحث هي مدى مطابقة هذا النص القرآني مع الوحي الذي نزل على الرسول الاعظم (صلى الله عليه و آله) ومدى سلامة الطريقة التي وصلنا بها هذا النص، الامر الذي يجعله في منجاة عن التحريف والتشويه.
وحين نريد ان نرجع الى تاريخ هذا البحث نجده من البحوث القرآنية التي تناولها الباحثون منذ العصور الاولى للبحث القرآني خصوصاً اذا نظرنا اليه من خلال النصوص والأحاديث التي تناولته. ولكن الآراء العلمية تكاد ان تتفق على نتيجة واحدة وهي قطعية التطابق بين النص القرآني المتداول والوحي الذي نزل على الرسول الاعظم (ص).
ومع كل هذا نجد أن خلافاً نسب إلى علماء الامامية وغيرهم في هذا الموضوع حيث قيل عنهم انهم يقولون بتحريف القرآن الكريم.
كما ان شبهة التحريف أصبحت فيما بعد مجال الاستغلال المتنوع للطعن في القرآن الكريم من قبل مختلف التيارات الكافرة التي واجهها المسلمون في عصورهم القديمة والحديثة، وكانت آخرها محاولات التبشير التي قادها المستشرقون وغيرهم للتشكيك في سلامة النص القرآني.
وعلى اساس كل من الخلافين نجد البحث حول هذه النقطة يواجه مسؤوليتين :
الأولى - مسؤولية مناقشة هذه الشبهة وتحقيق فسادها وبطلانها على اساس الفرضية الاسلامية ومستلزماتها التي تعترف بالنصوص الدينية، القرآنية او الصادرة من النبي واهل بيته الكرام.
الثانية : مسؤولية مناقشة هذه الشبهة على اساس البحث الموضوعي وما تفرضه طبيعة الاشياء من نتائج دون الالتزام بالنصوص الدينية ومستلزمات الايمان ببعضها.
والمواجهة الاولى قد تبدو انها اسهل منالاً ولكنها لا تحقق الغرض تجاه الفرد المسلم الذي يؤمن بالإسلام ونصوصه الدينية ورجاله الطيبين.. الأمر الذي يفرض علينا ان نعطي المواجهة الثانية حقها من الاهمية لانها تحقق الغرض بشكل شامل وتقطع الطريق على الشبهة عند كل واحد من الناس حتى لو كان غير مؤمن بشيء من الفرضية الإسلامية.
ونكتفي هنا ان نشير - بصدد المواجهة الأولى - إلى أن الرأي السائد لدى علماء الامامية هو التزام بسلامة القرآن الكريم من التحريف كما أن السيد الخوئي قد تحدث بشكل تفصيلي وجيد عن الشبهة. حين تناولها في الإطار الإسلامي وانتهى إلى الحق الذي لا شبهة فيه وهو سلامة النص القرآني من التحريف.
جمع القرآن في زمن النبي :
نقصد بطبيعة الأشياء مجموع الظروف والخصائص الموضوعية والذاتية التي عاشها النبي والمسلمون والقرآن او اختصوا بها مما يجعلنا نقتنع بضرورة قيام النبي (صلى الله عليه وآله) بجمع القرآن في عهده. وهذه الظروف والخصائص هي ما يلي:
أ - يعتبر القرآن الكريم الدستور الأساسي للأمة الإسلامية وهو يشكل الزاوية الرئيسية التي يقوم عليها كيان الأمة العقيدي والتشريعي والثقافي إلى جانب المناهج الإسلامية الأخرى عن المجتمع والأخلاق. كما انه يعتبر أتقن المصادر التاريخية لديها وأروع النصوص الأدبية. ولم يكن المسلمون في صدر حياتهم الاجتماعية يملكون شيئاً من القدرات الفكرية والثقافية في مختلف الميادين التي يخوضها الفكر الإنساني، فالقرآن بالنسبة لهم كامة حديثه يمثل المحتوى الروحي والفكري والاجتماعي لهم.
فمثلاً لم تكن الأمة الإسلامية حينذاك تملك من الثقافة العقيدية ما تبني عليها ايمانها الراسخ بوحدانية الله سبحانه وانحراف اصحاب الديانات الأخرى في نظرتهم إلى المبدأ والمعاد... غير الادلة والبراهين القرآنية. والكلام ذاته يمكن ان يقال بالنسبة الى المجالات الاخرى فكرية كانت ام روحية ام ثقافية.
كل هذا يعطينا صورة بارزة عن الاهمية الذاتية التي يتمتع بها القرآن الكريم بالنسبة الى حياة المسلمين ويحدد النظرة التي يحملها المسلمون كأمة تتمتع بقيادة النبي (صلى الله عليه وآله) الحكيمة - الى القرآن الكريم.
ب - لقد عكف المسلمون منذ البدء على حفظ القرآن واستظهاره انطلاقاً من نظرتهم الى القرآن الكريم وشعوراً بالاهمية التي يحتلها في حياتهم الاجتماعية ومركزه من الدور الذي ينتظرهم في الحياة الانسانية.
وقد تكونت نتيجة هذا الاقبال المتزايد منهم على حفظه واستظهاره جماعة كبيرة عرفت بحفظها القرآن الكريم واستظهارها لنصه بشكل مضبوط.
ولكن السؤال عن كفاية هذه الوسيلة في جعل القرآن بمأمن عن التحريف والتزوير نتيجة للخطأ والاشتباه. او تعرضهم لظروف وعوامل اخرى تمنعهم عن القيام بدورهم في حفظ النص القرآني من هذه الاخطار ؟؟.
ان الصحابة الذين عرفوا بحفظ القرآن.. مهما بلغوا من الورع والتقوى والامانة والاخلاص فهم لا يخرجون عن كونهم اشخاصاً عاديين يعتورهم الخطأ والنسيان. كما ان ظرفهم التاريخي وطبيعة المسؤولية الملقاة على عاتقهم كانت تعرضهم للاستشهاد فالقتل والانتشار في الاقطار الاسلامية بغية الدعوة لله سبحانه. وكل هذه الامور التي كانت متوقعة تصبح خطراً على النص القرآني اذا ترك مرتبطاً في حفظه بهذه الوسيلة ومرتهناً بهذا الاسلوب.
منتدى الوارث من العتبة الحسينية المقدسة.
اترك تعليق