1- المَحبّة والحُبّ: أ- المَحبّة بين المؤمنين: قال تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال/ 63). التطبيق الحياتي: شبيهُ الشيء منجذبٌ إليه، وحالة المحبّة الحميمة بين الإنسان المؤمن وأخيه المؤمن بما تحملُ من نبضات الشعور وخفقات العاطفة هي تعبير عن إنسانيّة كلّ منهما، وعن المعاني الحُلوة والمُشعّة من قلبيهما. في الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه واله): "ما تحابَّ اثنان في الله تعالى إلا كان أفضلهما أشدّ حبّاً لصاحبه"(1). وعنه (صلى الله عليه واله): "ودُّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شُعب الإيمان، ألا مَن أحبّ في الله، وأبغضَ في الله، وأعطى في الله، ومنع في الله، فهو من أصفياء الله"(2). ويقول الإمام علي (ع): "المودّة في الله أقرب نسب"(3). ب- الحبّ بين الزوجين: قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً...) (الروم/ 21). التطبيق الحياتي: هذا السكون النفسي، والإستقرار الغريزي، والتناغم العاطفي في التكامل الإنساني بين الرجل والمرأة، وإحساس كل منهما أنّ الآخر جزء من ذاته وقطعة من نفسه، فيه جانب جسدي وفيه جانب نفسي. الجسديّ يتغذّى على المودّة والحبّ، والنفسي يعتاش على الرحمة واللّطف، ليشعر كل منهما بالحاجة إلى الآخر لطرد مشاعر الوحشة والعزلة والوحدة، والإغتناء بأحاسيس الأنس والإندماج والحميميّة مع الآخر. إنّ سعادة الزوجين ببعضهما ليس منبعها التّوق الجسدي فحسب، بل إنّ منشأها هذه المشاعر الإنسانية الدفّاقة الفيّاضة التي تحيل جوّ الأسرة إلى واحدة غنّاء. إنّهما يفرحان لبعضهما ويتألّمان لبعضهما في رعاية كل منها للآخر، إنّهما أشبه ببيتٍ شعري جميل لا يكتمل بشطر بل بشطرين. 2- التمتّع بالطيِّبات وبالزِّينة: قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأعراف/ 32). التطبيق الحياتي: الزِّينة: ما يُتزيّن به من اللِّباس والطيِّب ووسائل التجمّل للظّهور بالمنظر الجميل الطيِّب الذي يُمثِّل لوناً من ألوان الشكل الحضاري للإنسان المسلم. إنّ ديننا يهتمّ بحاجاتنا الطبيعية التي تصون حياتنا وتدخل البهجة إلى نفوسنا، فإذا التقى بعضنا بعضاً كان المظهر أوّل ما يجذبنا ثمّ المنطق والفكر والسلوك، فإذا كان المظهر الخارجي منفِّراً عزفت النفس عن اللِّقاء أو مواصلته. إنّ الله جميل يُحبّ الجمال والتجمّل، ويُبغض البؤس والتباؤس، وإنّه تعالى إذا أنعم على عبدٍ بنعمةٍ أحبّ أن يرى أثر نعمته عنده، ولعلّ الإشارة إلى أخذ الزينة عند كلِّ مسجد تعني أنّ الزينة خارجه مفروغ منها، ولئلا يفهم الناس أنّ التزيّن من لبس أجود الثياب والتطيّب مقصورٌ على الحياة الإجتماعية، دعاهم الدِّين إلى أن يمتدّ مظهرهم الحضاري للتجمّل لله وليس لبعضهم البعض فقط، وإن كان هذا يصبّ في ارتياح بعضهم لبعض. كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول: "من الدِّين المُتعة"، أي أن يستمتع الإنسان بحياته وبما أباح الله له من الطيِّبات. إنّ الجانب الجمالي في شخصيتك: داخلي بإيمانك وأخلاقك، وظاهري بذوقك وثيابك، ويبقى التوازن مطلوباً في كلِّ شيء، فهو قانون الحياة. لقد استوحى بعض المفسِّرين من الآية الكريمة، أنّ الإسلام يهتمّ بالجانب الحسِّي من حياة الإنسان سواء بالزِّينة الظاهرة من الثِّياب الجيِّدة، أو الأكل الطيِّب، والشراب الطيِّب والمسكن المريح والمركب السهل. إنّ مُفردة (الطيِّبات) واسعة سعة كل ما هو حلال ومُباح للإنسان، لما يعني أن دائرة الخبائث ضيِّقة، وأنّ حرِّية الإنسان في التمتع بملذّات الدنيا هي لما لا يُسأل الإنسان عنه في القيامة، وكيف يُسأل عمّا أباحه المولى عزّ وجلّ له؟ قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) (المائدة/ 4). 3- الصحّة والنّظافة: قال تعالى: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ...) (الأنعام/ 145). التطبيق الحياتي: الإسلام دينٌ للحياة يهتمّ بصحّة الإنسان فيدعوه إلى تناول ما فيه النفع والعافية، ويُحذِّره من تعاطي ما هو مضرّ ومؤذٍ للصحّة، فما من محرّم إلا وينطوي على ضرر، وحتى لو لم نعرف حقيقة الضرر، يكفينا أنّ خالقه حرّمه علينا فنمتنع. وثمّة حقيقة مهمّة في حقل التحريم، فليس في الإسلام حرمان، فما مُنعت منه وُضعَت لك بدائل وخيارات كثيرة تغنيك عن تعاطيه، وأمّا كل ممنوع مرغوب، فهذا تسويل شيطاني، كما فعل إبليس مع أبوينا في قصّة الشجرة المحرّمة. وقال عزّ وجلّ في الطهارة والنظافة: (وثِيابَك فَطَهِّر) (المدّثر/ 3). وقال جلّ جلاله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا...) (المائدة/ 6). التطبيق الحياتي: الآيات الكريمة وإن كانت واردة في الطهارة العباديّة، لكنّها تُمثِّل لوناً من ألوان التدريب على نظافة البدن اليومية، كالوضوء، أو شبه اليوميّة كالغسل، بحيث يلتزم الإنسان بغسل الأعضاء الحيوية المتّصلة بحاجاته اليومية، كالوجه الذي يُقابل به الناس، وتتحرك به أجهزة البصر والشّمّ، بالإضافة إلى الفمّ الذي يرتبط به الطعام والشراب والكلام. أمّا الغسل بعد الجنابة، فإنّ هناك أكثر من سبب له، وليس المعاشرة الجنسيّة فقط: كالغسل من الحيض والإستحاضة والنّفاس للنِّساء، وغسل مسّ الميِّت، إلى جانب الأغسال المستحبّة كغسل الجمعة ونحوه، فهذاالأغسال تُمثِّل تطهيراً كلِّياً للبدن، كما ينفتح الغسل على الجانب الإجتماعي، حيث تلتقي الناس في الجمعة والعيدين وغيرهما بما يفرض عليك أن تخرج إليهم نظيفاً طاهراً، وهذا يلتقي مع الظهور بالمظهر اللائق الذي سبقت الإشارة إليه، أي أنّ الإهتمام يشمل نظافة البدن ونظافة وما يستره من لباس أيضاً. يقول رسول الله (صلى الله عليه واله) فيما رُوي عنه: "إنّ الله طيِّبٌ يُحبُّ الطيِّب، نظيفٌ يُحبُّ النّظافة"(4). وتمتدّ النظا
اترك تعليق