السفر إلى الشام ولقاء الراهب بحيرى . جاء خبر الراهب بحيرى[1] مع النبي صلّى الله عليه وآله في عدة روايات، منها ما جاء عن طريق الشيخ الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة والحميري في قرب الإسناد ، وكذلك ما رواه ابن إسحاق في سيرته. وهذا ملخص ما جاء في تلك الروايات : عندما أراد أبو طالب الخروج إلى الشام مع قافلة قريش للتجارة، وتهيّأ للرحيل وأجمع السير انتصب له رسول الله صلى الله عليه وآله وتشبث بزمام الناقة وقال : "يا عم على من تخلفني، لا على أم ولا على أب" . وقد كانت أمه توفيت، فرقّ له أبو طالب وأخرجه معه وقال : والله لأخرجنّ به معي ولا يفارقني ولا أفارقه أبداً. وكانوا إذا ساروا تسير إلى رأس رسول الله صلى الله عليه وآله غمامة تظله من الشمس. فمروا ببصرى (حوران حالياً) الواقعة طريق الشام، وكان فيها رجل يقال له : بحيرى - وكان أعلم أهل النصرانية - فلما رأى الغمامة تسير معهم حتّى نزلوا بظلّ شجرة قريباً منه، فنظر إلى الغمامة أظلّت الشجرة، وتهصّرت أغصان الشجرة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتّى استظلّ تحتها، فلمّا رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته نزل من صومعته واتخذ لقريش طعاما وكان كثيراً ما يمرّون به قبل ذلك لا يكلّمهم ولا يعرض لهم، ثم بعث إليهم يسألهم أن يأتوه، وقد كانوا نزلوا تحت شجرة فبعث إليهم يدعوهم إلى طعامه فقالوا له : يا بحيرى والله ما كنا نعهد هذا منك قال : قد أحببت أن تأتوني فأتوه وخلفوا رسول الله صلى الله عليه وآله في الرحل، فنظر بحيرى إلى الغمامة قائمة فقال لهم: هل بقي منكم أحد لم يأتني؟ فقالوا: ما بقي منا إلا غلام حدث خلفناه في الرحل فقال: لا ينبغي أن يتخلف عن طعامي أحد منكم فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فلما أقبل أقبلت الغمامة، فلما نظر إليه بحيرى يلحظه لحظاً شديداً وينظر إلى أشياء من جسده قد يجدها عنده في صفته، حتّى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرّقوا قام بحيرى وقال : يا غلام أسألك عن ثلاث خصال بحق اللات والعزى إلا (ما) أخبرتنيها، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله عند ذكر اللات والعزى . فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا تسألني بهما فو الله ما أبغضت شيئا كبغضهما، وإنما هما صنمان من حجارة لقومي . وإنّما قال ذلك بحيرى لأنّه سمع قومه يحلفون بهما . فقال بحيرى: هذه واحدة، ثم قال: فبالله إلا ما أخبرتني فقال: سل عما بدا لك فإنك قد سألتني بإلهي وإلهك الذي ليس كمثله شيء فقال: أسألك عن نومك ويقظتك فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره، فجعل رسول الله صلّى عليه وآله وسلّم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته، ثمّ نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده. لمّا فرغ منه أقبل على عمّه أبي طالب فقال: ما هذا الغلام منك؟ قال : ابني. قال بحيرى : وما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيّاً. قال : فإنّه ابن أخي. قال : فما فعل أبوه؟ قال : مات وأمه حبلى به. قال: صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود، فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت منه ليبغيّنه شرّاً، فإنّه كائن لابن أخيك هذا شأن فأسرع به إلى بلده. فخرج به عمّه أبو طالب سريعاً حتّى أقدمه مكّة حين فرغ من تجارته بالشام . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1] قال الشيخ الصدوق كان بحيرى الراهب ممن قد عرف النبي صلى الله عليه وآله بصفته ونعته ونسبه واسمه قبل ظهوره بالنبوة، وكان من المنتظرين لخروجه.
اترك تعليق