النبي صلى الله عليه وآلة المثل الأعلى

تتصف شخصية النبي صلى الله عليه واله بأسمى مكارم الأخلاق والآداب الفاضلة سواء قبل البعثة أو بعدها، معصوماً عن الذنوب والمعاصي، متحلي بأرفع الأخلاق وأعظمها منزلةً كما قال تعالى في وصفه لأخلاق نبيه صلى الله عليه واله وسلم: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم/4]، وهذه شهادة من الله سبحانه وتعالى بعظم أخلاق النبي صلى الله عليه واله. وكذلك ما جاء من روايات في وصف أخلاق النبي صلى الله عليه واله في حركاته ومع أصحابه وأهله، ما يظهر مكارم أخلاقه وآدابه، وهنا ننقل هذه الرواية التي تبين لنا مدى سمو أخلاقه . روى الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)) عن الحسين عليه السلام قال: سالت أبي عليه السلام عن مدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك فإذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزء لله تعالى وجزء لأهله وجزء لنفسه ثم جزأ جزء بينه وبين الناس فيرد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم منه شيئا وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الأمة من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي، ويقول: " ليبلغ الشاهد منكم الغائب، و أبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يقدر على إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة " لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقيد من أحد عثرة يدخلون روادا، ولا يفترقون إلا عن ذواق، ويخرجون أدلة. فسألته عن مخرج رسول الله صلى الله عليه واله كيف كان يصنع فيه ؟ فقال: كان صلى الله عليه واله يخزن لسانه إلا عما يعنيه، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر، غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، ولا يقصر عن الحق ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم أفضلهم عنده أعمهم نصيحة للمسلمين، و أعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة وموازرة. قال: وسألته عن مجلسه، فقال: كان صلى الله عليه واله لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه، ولا يحسب أحد من جلسائه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، من سأله حاجة لم يرجع إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه خلقه، وصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنثى فلتاته، متعادلين متواصلين فيه بالتقوى، متواضعين يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب. فقلت: فكيف كانت سيرته في جلسائه ؟ فقال: كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب: ليس بفظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، فلا يؤيس منه ولا يخيب فيه مؤمليه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عورته ولا عثراته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أوليهم، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في مسألته ومنطقه حتى أن كان أصحابه ليستجلبونهم، ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد كلامه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام. قال: فسألته عن سكوت رسول الله صلى الله عليه واله، فقال: كان سكوته على أربع: على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكير، فأما التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربع: أخذه الحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده الرأي في صلاح أمته، والقيام فيما جمع لهم خير الدنيا و الآخرة.

المرفقات