ايها الاخوة والاخوات :
نعرض على مسامعكم الكريمة التوجيهات الصادرة من المرجعية الدينية العليا للمقاتلين الابطال في جبهات القتال، ونذكر قبلها مقدمة فنقول :
يشارك في هذه الايام الآلاف من اخواننا واحبتنا في القوات المسلحة ومن يساندهم من المتطوعين وابناء العشائر في معارك ضارية لتخليص مناطق من محافظة الانبار من سطوة الارهاب الداعشي، واننا اذ نكرر بالغ الثناء عليهم وعظيم الاعتزاز بجهودهم والمباهاة بكل قطرة دم يبذلونها في سبيل الدفاع عن وطنهم وشعبهم ومقدساتهم، نجد من المناسب ان نذكر ونشرح مقاطع من توجيهات المرجعية الدينية العليا لهم في رعاية حرمات الناس في مناطق القتال تأكيداً عليها لما لها من الاهمية البالغة، فمما ورد فيها :
عبّرت المرجعية الدينية العليا عن المقاتلين بأنهم أحبة لها (هؤلاء المقاتلون أحباء المرجعية الدينية العليا). بينت مقام ومنزلة هذه البطولات والتضحيات: المدح والثناء البالغ لهم... ثم ترقت الى ان : تعتز بعظيم الاعتزاز بجهودهم ... ثم سَمَت بدمائهم الى :ج- المباهاة والافتخار بكل قطرة دم تسال من اجسادهم (الشهداء والجرحى) لأنها دماء تبذل في سبيل الله تعالى فهو لغرض الدفاع عن الوطن والشعب والمقدسات ولاشك انها اهداف سامية...
وسبق ان اصدر مكتب سماحة السيد السيستاني (دام ظله الشريف) في 22/ربيع الآخر/1436هـ مجموعة من النصائح والتوجيهات للمقاتلين في ساحات الجهاد وجبهات القتال مع المعتدين – وذكر فيها (ان الله تعالى كما ندب الى الجهاد وجعله دعامة من دعائم الدين فقد جعل عزوجل له حدوداً واداب لابد من مراعاتها ويلزم تفقهها والعمل بها فمن رعاها حق رعايتها كان له الاجر العظيم والفضل لجهاده ومن أخلّ بها احبط من اجره ولم يبلغ بالجهاد الامل المرجو منه.
وقد جاء التأكيد عليها في هذه الخطبة ومنها :
(الله الله في النفوس، فلا يُستحلّن التعرّض لها بغير ما أحلّه الله تعالى في حال من الاحوال، فما أعظم الخطيئة في قتل النفوس البريئة وما أعظم الحسنة بوقايتها وإحيائها، كما ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه، وإنّ لقتل النفس البريئة آثاراً خطيرة في هذه الحياة وما بعدها ، وقد جاء في سيرة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) شدّة احتياطه في حروبه في هــذا الأمر ، وقد قـال في عهـده لمالك الأشـتر (إيّاك والدماء وسفكها بغير حلّها فإنّه ليس شيء ادعى لنقمة واعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدّة من سفك الدماء بغير حقّها والله سبحانه مبتدأ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة ، فلا تقويّن سلطانك بسفك دم حرام ، فإنّ ذلك مما يضعفه ويوهنه ، بل يزيله وينقله..).
ان الشريعة الاسلامية ومن خلال الايات القرانية الكريمة واحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الاطهار قد اهتمت اهتماما شديداً بحفظ وصيانة دم الانسان بصورة عامة الا في حالات معينة اباحت فيها ذلك ومنها الدفاع عن الدين والمقدسات والوطن والعرض والمال وجاءت وصايا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واهل بيته الاطهار وسيرتهم لتؤكد هذه الحرمة وصيانتها ورعايتها فقد احتاطت في ذلك احتياطاً شديداً- ومن هنا فان النفوس البريئة من موجبات القتل وفق الموازين الشرعية لا يحل التعرض لها ولابد من حفظها ووقايتها من الاسباب الموجبة لازهاقها واعتبرت ان ازهاق النفوس البريئة من اعظم الخطايا وهي اول ما يحكم الله تعالى به بين العباد كما ان وقاية النفوس البريئة من القتل من اعظم الحسنات وكما ورد في قوله تعالى (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).
ونجد من المصاديق الواضحة لذلك سيرة امير المؤمنين (عليه السلام) في حروبه ووصاياه وعهوده لولاته على الامصار، ومنها عهده لمالك الاشتر:
((إيّاك والدماء وسفكها بغير حلّها فإنّه ليس شيء ادعى لنقمة واعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدّة من سفك الدماء بغير حقّها والله سبحانه مبتدأ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة ، فلا تقويّن سلطانك بسفك دم حرام ، فإنّ ذلك مما يضعفه ويوهنه ، بل يزيله وينقله..).
حذر الامام (عليه السلام) من سفك الدماء من غير اسباب شرعية محللة لذلك- وبين نتائج ذلك بأربعة امور :
انه ليس هنالك شيء في الحياة اكثر داعياً الى جلب الانتقام سواء اكان من اولياء المقتول او في نظر عامة الناس او عند الله تعالى من سفك الدم بغير حق وسبب محلل لذلك.. ولا اعظم في التبعات والمسؤولية في الدنيا من سفك الدم الحرام فان الانتقام من ذوي المقتول قد يجر الى انتقام آخر اضافة الى القصاص المقرر في الشريعة والمترتب على القاتل... وما يخلفه من الترمل للزوجة واليتم للاولاد.. ولا احرى بزوال نعمة أي اجدر بزوال نعمة وذلك بزوال الطمأنينة والامان عن وجدان القاتل وابتلائه بالهم وعذاب الضمير والوجدان.. (وانقطاع مدّة) أي انقطاع مدة العمر للقاتل او عمر الدولة.(والله سبحانه مبتدئ بالحكم.....) واول ما يبتدئ الله تعالى الحكم بين الناس هو القضاء في القتل بغير حق كما ورد في الحديث الشريف:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اول ما يحكم الله عزوجل فيه يوم القيامة الدماء فيوقف ابنا آدم (عليه السلام) فيفصل بينهما ثم الذين يلونهما من اصحاب الدماء حتى لا يبقى منهم احد من الناس بعد ذلك حتى يأتي المقتول بقاتله فيشخب دمه في وجهه فيقول : انت قتلته فلا يستطيع ان يكتم الله حديثا..
(الله الله في حرمات عامّة الناس ممن لم يقاتلوكم، لاسيّما المستضعفين من الشيوخ والولدان والنساء، حتّى إذا كانوا من ذوي المقاتلين لكم ، فإنّه لا تحلّ حرمات من قاتلوا غير ما كان معهم من أموالهم. وقد كان من سيرة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه كان ينهى عن التعرّض لبيوت أهل حربه ونسائهم وذراريهم رغم إصرار بعض من كان معه ـــ خاصّة من الخوارج ــ على استباحتها وكان يقول : ( حارَبنا الرجال فحاربناهم ، فأمّا النساء والذراري فلا سبيل لنا عليهم لأنهن مسلمات وفي دار هجرة ، فليس لكم عليهن سبيل)
ثم نبّه سماحته (دام ظله الشريف) الى حرمة التعرض لعموم المواطنين من غير المقاتلين سواء أكان التعرض لأرواحهم او لأموالهم وتتأكد الحرمة للضعفاء من هؤلاء كالشيوخ والنساء والصبية حتى لو كان هؤلاء المواطنون من ذوي الاشخاص المقاتلين كآبائهم وابنائهم واخوانهم طالما انهم ليسوا في حال القتال معهم فانه لا تحل غير الاموال والمعدات والامتعة التي مع المقاتلين والتي يستعينون بها على القتال، ولقد كان من سيرة علي (عليه السلام) انه ينهى عن التعرض للدور العائدة للمقاتلين من اهل الحرب مع الامام (عليه السلام) وكذلك عدم التعرض لنساء المقاتلين واطفالهم رغم ان البعض ممن كان في جيش الامام (عليه السلام) وخصوصاً من الخوارج يصر على استباحة هذه البيوت بنهب الاموال التي فيها بذريعة انها عائدة للمقاتلين ولكن الامام (عليه السلام) يقول لهم ان هذه الاموال هي ميراث لورثة الذين يقاتلونكم ولا مسوّغ شرعي لكم على اموالهم..
(الله الله في الحرمات كلّها، فإياكم والتعرّض لها او انتهاك شيء منها بلسان او يد، واحذروا اخذ امرئ بذنب غيره، فإنّ الله سبحانه وتعالى يقول: (ولا تزر وازرة وزر اخرى)، ولا تأخذوا بالظنّة وتشبهوه على انفسكم بالحزم، فانّ الحزم احتياط المرء في أمره، والظنة اعتداء على الغير بغير حجّة، ولا يحملّنكم بغض من تكرهونه على تجاوز حرماته كما قال الله سبحانه : (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).
وقد جاء عن امير المؤمنين (عليه السلام) انه قال في خطبة له في وقعة صفّين في جملة وصاياه : (ولا تمثّلوا بقتيل، واذا وصلتم الى رجال القوم فلا تهتكوا ستراً ولا تدخلوا داراً، ولا تأخذوا شيئاً من اموالهم إلاّ ما وجدتم في عسكرهم، ولا تهيجوا امرأة بأذىً وان شتمن اعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم).
وبعد ان تدرج سماحته (دام ظله الشريف) في بيان مراتب الحرمات وانواعها – تعرض الى مرتبة اخرى وهي حرمة انتهاك الاعراض للاخرين في نسائهم او التعرض لهم بسب او شتم او غير ذلك وكذلك عدم اخذ أي انسان بجريمة وذنب غيره- فلا يجوز ان يؤاخذ شخص لكونه قريب لاحد المقاتلين او من عشيرته او من مدينته او قريته- ..
ولا يجوز الاخذ بالظنة والشبهة والتوهم واعتباره من الحزم المطلوب في الحرب فان معنى الحزم ان يحتاط الانسان في اموره ولا يأخذ بما هو ظن وشبهه الذي لا يعد حجة يمكن ان يؤاخذ به الغير – ولا يدفعنكم البغض والحقد الناشيء من كراهة هؤلاء المعتدين على تجاوز حرمات اهلهم ومالهم واعراضهم – كما جاء في الاية الكريمة (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).
(ولا تهيجوا امرأة بأذىً وان شتمن اعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم)
فاذا وصلتم الى دور المعتدين المقاتلين ووجدتم بعض نسائهم وقد سببن الصالحين من رجالكم وقادتكم وشتمن اعراضكم فلا تثيروا نفوسهن وتهيجوا مشاعرهن بالرد عليهن لأنهن ربما يعشن حالة من الاضطراب النفسي بسبب مقتل رجالهن..
اللهم ارحمنا برحمتك واعف عنا بجودك وكرمك واصلح شؤوننا للدنيا والاخرة انك سميع مجيب..
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق