"لولا أن الله تعالى خلق أمير المؤمنين "عليه السلام" لفاطمة ما كان لها كفؤ على ظهر الأرض، من آدم فمن دونه".
الإمام الصادق عليه السلام
(من لا يحضره الفقيه)
تجربة زواج علي من فاطمة، عليهما السلام، هي الحقيقة التي طالما أشعرتنا بهزائمنا المتكررة أمام تكوين أسر مثالية في مجتمعات تدعي أنها تتبعهما دون أدنى درجة من الشك في مضمون هذا الإتباع.
يبدأ الفشل في تكوين هذه الأسر من فقدان معيار الـ "كفؤ" الذي اعتمده الله في تزويج علي وفاطمة، فعلى الرغم من قدرته الهائلة على وضع النهاية التي يحب؛ أبى الله إلا أن تسير الأمور وفق ما تقتضيه الأسباب، فكان لا بد من قيمة ينطلق منها الإنسان لتحديد زوجه، وكان الكفوء أول ما ينبغي البحث عنه.
وهكذا بدأ المؤرخون بسرد قصة هذا التكافؤ والاقتران المبارك منذ لحظة ولادته، الذي يظهر منه جملة من المراسيم والتقاليد التي يستحق التمسك بها.
"إليكم البداية"
في منتخب العمال: انطلق عمر إلى علي فقال: ما يمنعك من فاطمة؟ وكان يقصد الزواج منها.
فقال : أخشي أن لا يزوِّجني!
قال: فإن لم يزوجك فمن يزوج؟ وأنت أقرب خلق الله إليه.
وهنا اعتراف صريح بأن علي هو الأقرب إلى رسول الله والأحق بابنته على الرغم من الخصومة الظاهرة بين الطرفين كما جاء على لسان بعض المؤرخين.
وكان علي بن أبي طالب، عليه السلام، وهو الرجل الأول بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يعاني من ظروف اقتصادية قاسية، لأنه لم يكن يسعى للاستحواذ على شيء من حطام دنياه، فأنّى له الزواج؟!
وعلى الرغم من أن صعوبة الزواج كان أمراً سائداً آنذاك، وهو على النحو ذاته في أيامنا، إلا أن تجربة علي وفاطمة كسرت أحد أغلظ القيود في المجتمعات، وحولت الزواج بها أكثر سهولة.
ولا يزال زواجهما أنموذجاً لا يمكن الاستهانة به لتأسيس صرح أسري على صعوبة الحياة وتحدياتها الكبيرة.
مهر فاطمة "درع"!
اللافت أن ثروة علي، عليه السلام، الذي كان يمثل أعلى سلطة في الدولة الإسلامية بعد النبي، لم تكن تتعدى أدوات الحرب!
فعندما جاء إلى ابن عمه خاطباً، وبعد أن فاز بموافقة فاطمة، حدثه بالصراحة التي لم تكن خافية عن النبي، "والله لا يخف عليك من أمري شيء ... أملك سيفي ودرعي وناضحي". يقول علي، عليه السلام.
ولأن سيف علي كان يمثل القوة الضاربة في جيش الإسلام، أبى النبي أن يكون مهراً لابنته، واختار لها الدرع فقط!
وتشير الروايات إلى أن علياً باع الدرع بـ "أربعمائة وثمانين، أو خمسمائة درهم" وقدمها للنبي كمهر لابنته، ولعله أقل مهرٍ عرفه التاريخ.
قائمة بمحتويات "جهاز" فاطمة
وكما هو السائد اليوم.. الاهتمام الشديد باقتناء أثاث منزل الزوجية، أو ما يعرف بـ "جهاز العرس" وقد ظهر من النبي، صلى الله عليه وآله، ذات الاهتمام، لكنه كان اهتماماً من نوع مختلف تماما، فلم يطلب شيئاً باهضاً على ارتفاع شأنه وابنته!
وعلى اختلاف الروايات التي تتحدث عن مضامين هذا "الجهاز" تظهر فيها على كل الأحوال البساطة، وإليكم قائمة بمقتنيات العرس:
1. فراشان من خيش مصر, حشو أحدهما ليف, وحشو الآخر من جز الغنم
2. نطع من أدم
3. وسادة من أدم حشوها من ليف النخل
4. عباءة خيبرية
5. قربة للماء
6. كيزان وجرار وعاء للماء
7. مطهرة للماء مزفّتة
8. ستر صوف رقيق
9. قميص بسبعة دراهم
10. خمار بأربعة دراهم
11. قطيفة سوداء
12. سرير مزمل بشريط
13. أربعة مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر
14. حصير هجري
15. رحى لليد
16. مخضب من نحاس
17. قعب للبن
18. شنٌّ للماء.
قال النبي: "اللهم بارك لقوم جُلُّ آنيتهم الخزف..."
استقبل، صلى الله عليه وآله، "جهاز" ابنته بهذه الكلمات، وكانت هذه المباركة كفيلة بأن تجعل من هذا الزواج أنموذجاً رائعاً وفريداً في كل شيء، وكأن النبي أرد أن يقول لنا: "قوام البيت المبارك البساطة والصدق".
غير أن المهر الحقيقي لفاطمة عليها السلام هو ما جاء به جبرائيل حال وصول متاعها إلى أبيها.
يقول عليه السلام: "جعل الله مهر فاطمة الزهراء شفاعة المذنبين من أمة أبيها"!!
"لماذا تأخر الزفاف؟"
"طالت الفترة شهراً، أو شهور، وبقي الأمر مسكوتاً عنه" كما يقول السيد كاظم القزويني، رحمه الله، صاحب كتاب "فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد" في تعليقه على زفاف فاطمة إلى علي، عليهما السلام، ولكن لماذا؟
وكما تشير المصادر التاريخية حول هذا التأخير، فإن علياً كان شديد الحياء من رسول الله، صلى الله عليه وآله، فلم يطالب بأن تزف له عروسه أبدا.
ولأن أم الزهراء، عليها السلام، خديجة الكبرى، كان قد غيبها الموت عن مشاطرة ابنتها في هذه المرحلة المهمة من حياتها؛ بادرت نساء النبي إلى تبني الأمر.
خاطبن النبي: "فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله، قد اجتمعنا لأمر لو أن خديجة في الأحياء لقرت بذلك عينها".
ويكتفي النبي هنا بدموع الذكريات الجميلة مع سنده وناصره حين خذله الجميع ثم زفت الزهراء إلى منزل زوجها.
حسين الخشيمي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق