عندما يطرق الأجل أبواب الأنبياء... هكذا يسوقون أبناءهم إلى الموت

بينما كان النبي يُجلس على فخذه الأيسر ولده الوحيد "إبراهيم" من زوجته ماريا القبطية، وعلى الآخر سبطه "الحسين" من ولد فاطمة عليهم السلام - ابنته الوحيدة - ؛ هبط جبرائيل يحمل نبأ الله.

لم يكن يعلم صلى الله عليه وآله، أن بانتظاره ثمة مفاضلة صعبة ستفقده - مهما كان دقيقاً في مراعاة الكفة الأرجح منها - عزيزاً وقطعة من جسده، فجبرائل بوحي من الله، جاء ليخيره بين أحدهما.. عليه الآن أن يفدي أحدمها بالآخر.. هذه سنّة النبوّة، أن يكون على أهبة الاستعداد لتلقي الإبتلاءات والمحن وعبورها بنجاح، والصبر على نتائجها وإن كانت مأساوية.

ما يزيد هذا المشهد حزناً، أن النبي قبل بلوغه الخبر كان يُقبل ولده إبراهيم تارة، ويقبل ابن بضعته الزهراء تارة أخرى، كان على درجة عالية من السعادة والفرح الغامر بهذين الوليدين، خصوصاً أنه قد وصف من قبل مبغضيه بالأبتر الذي لا عقب له، أمام هذه اللحظات

إذاً.. هل سيصوّب الله مقولة أعدائه ليكون بلا عقب حقاً؟! .. هذا ما لايمكن أن يفكر به النبي إطلاقاً، لأنه يعرف جيداً أن درجات الرفعة الإلهية التي ينالها الإنسان وينعم بها عياله من بعده بحاجة إلى تقديم التضحيات والقرابين.

-  يامحمد، إنّ ربّك يقرأُ عليك السلام ويقول: لستُ أجمعهما فافْدِ أحدهما بصاحبه، قال جبرائل عليه السلام ذلك وهو يعي صعوبة اللحظة.

نظر النبي، صلى الله عليه وآله، إلى ولده الوحيد إبراهيم وبكى.. إلى أي مدى سيتقبل محيط النبي غياب ولده بأمر غيبي، دون أن يشمت به مناوئيه؟

وعلى الرغم من صعوبة القرار بمثل هكذا مواقف، إلا أن النبي فكر بعقل "بشري" مجرد، وكان ينظر إلى شدة وطأة الخبر على قلب فاطمة وعلي عليهما السلام بعين العاطفة التي يحملانها تجاه ولدهما الحسين، عليه السلام.

وأخيراً قرر النبي أن يفدي الحسين بولده إبراهيم، ليقر عين ابنته فاطمة وزوجها علي.

"إنّ إبراهيم أُمّه أمةٌ ومتى مات لم يحزن عليه غيري، وأُمّ الحسين فاطمةٌ، وأبوه علي ابن عمّي لحمي ودمي، ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمّي وحزنتُ أنا عليه، وأنا أُوثر حزني على حزنهما".. قال ذلك النبي ليحسم لحظة الامتحان هذه بنجاح ساحق على نفسه التي رفض أن يؤثرها على غيره.

-  يا جبرئيل! يُقبض إبراهيم فديته بالحسين!

هنا تألم "جبرائيل" كثيراً!!

بدأ إبراهيم، بأشهره الـ (ثمانية عشر) يجود بنفسه، والنبي يذرف أمامه الدموع، لم يكن مشهداً مألوفاً لدى الآخرين أن يروا نبيهم وهو يذرف الدمع بهذه المرارة والألم، بادره عند ذلك عبد الرحمن بن عوف: "وانت يارسول الله"؟!!

فأجاب النبي حينها: "يا ابن عوف ، إنّها رحمة ـ ثمّ أتبعها بأخرى، ولا نقول ما يسخط الرب، لولا أنّه وعد حق وموعود جامع وأنّ الآخر تابع للأوّل ".

ثم أردف قائلاً: "العين تدمع، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنّا لفراقك ـ يا إبراهيم ـ لمحزونون".

حسين الخشيمي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات