يجهل الإنسان التاريخ التقريبي لوجوده على الأرض، وهذا يعني صعوبة تحديد الفترة الزمنية التي عرف بها الإنسان نفسه، وإزاء هذا العجز، يصعب أيضا تحديد تاريخ وجود "الله" وفقاً للعقل التجريبي، بينما لا يعير العقل المؤمن بالوحي إي اهتمام لتاريخ هذا الوجود بقدر يقينه بضرورة وجود الخالق وهو الله الأزلي الوجود.
"أنت لم تكن ثم كنت، وقد علمت أنك لم تكوّن نفسك ولا كونك من هو مثلك..." يقول الإمام الرضا عليه السلام، قوله هذا لأحدهم ممن يسأل عن تاريخ بدء العالم، وترشدنا هذه الإجابة إلى أن معرفة حدوث العالم ووجوده واقعاً أجدر من معرفة التاريخ نفسه، كما يلفت الإمام الرضا في إجابته هذه إلى أمر مهم، وهو أن اليقين الحاصل بعدم القدرة على الخلق من قبل الإنسان كافٍ للإقرار بوجود خالق قادر.
وعلى الرغم من وضوح هذه الرؤيا لدى الكثيرين، لا يمكن إنكار وجود من يطرح هذا التساؤل "من هو الله"؟ وهو تساؤل خطير، انطلقت منه الرسالات السماوية الواحدة تلو الأخرى لتجيب عنه لأهميته، ولما يترتب عليه من مسؤوليات كبيرة، لكن مع مرور فترة زمنية فاصلة بين هذه الرسالات والإنسان اليوم، احدث فجوة كبيرة بينه وبين ربه، فخطفت بريق الإجابات عنه.
مثلا.. الإسلام جاء ليجيب عن هذا التساؤل وتساؤلات أخرى، لكن بعد مرور نحو ألف وأربعمئة عام، لم يبقى من الإسلام إلا القيمة التاريخية، وهذا يعني أن الله - جل وعلا - أصبح جزءً من هذا التاريخ، بدليل أن نسبة كبيرة من البشر يحاولون أن يجعلون من الله حاضراً، لكن بصيغتهم الخاصة.
السياسيون يريدون من الله أن يكون مؤيداً لمواقفهم، والشعوب تريد من الله أن يكون قريباً منهم عندما يجوعون أو يخافون، ولكن من منهم فكّر ماذا يريد الله منه لكي يكون كما يحب ويريد؟!! وهذه الأمور وغيرها إنما هي مؤشرات ودلائل لابتعاد البشرية عن الله، وفهمها الخاطئ له، وهو كما أشرنا إفرازاً طبيعياً لمرور قرون على تصريح الرسالات السماوية بوجود الله الخالق، والمسؤوليات المترتبة على معرفته التي بينتها تلك الرسالات ومنها الإسلام.
من هو الله؟ السؤال الذي نحن الآن بصدد الإجابة عنه، فكيف تعرّف الأديان الله تبارك وتعالى عن أي وصف بشري، وهو الكاشف عن ذاته بذاته جلت قدرته؟
الله في الديانة اليهودية
اليهودية كما أرادها الله، تؤمن بأن الله واحداً، وهو خالق كل شيء بلا شريك، كما تؤمن أيضاً أنه محجوب عن خلقه ولا يمكن رؤيته بالعين، إذ يرد في التورات وتحديداً في سفر التثنية: "اسمع يا اسرائيل، الرب إلهنا رب واحد" (التثنية 6 : 4 ).
والعقيدة الصحيحة التي جاء بها أنبياء بني إسرائيل هي أن الله واحد عظيم ليس كمثله شيء، ولا يمكن رؤيته، وتؤكد هذه العقيدة أن الله تبارك وتعالى، لا يأكل ولا يشرب ولا ينام ويخضع له الخلق كله.
غير أن هذه العقيدة نالها التشويه، لنجد في التوراة "المحرفة" نصوصاً تسرد أوصافاً تتعارض مع قدسية الله تبارك وتعالى، منها إن الله يغضب، وقد يفضي هذا الغضب عن مصارعة البشر.
ومنها أيضاً أنه جل ثناؤه يتعب ويستريح ويندم، و يحسد البشر ويحقد عليهم، فضلاً عن تطاولهم على للأنبياء والصاق التهم لهم، فتعالى الله عما يصفون.
الله في الديانة المسيحية
أما الديانة المسيحية فتعتبر أن معرفة الله والاعتقاد به أمر غاية في الأهمية لدفع أي فكرة مزيفة عنه، فقد تقود هذه الفكرة المزيفة إلى عبادة "الوثن". في الكتاب المقدس توبيخ للجاهل بهذه الحقيقة، ويرد ذلك وفي ما يعرف بـ "سفر المزامير" في مزمور 50: 21 "ظننت أني مثلك".
وبذلك، فإن الديانة المسيحية تقول إن الله "هو الكائن الأسمى خالق وحاكم كل الخليقة الموجودة منذ البدء".
تبدو هذه الرؤيا واضحة وسليمة نوعاً ما، ولكن عند التوغل في أعماق الديانة المسيحية مع ما طرأ عليها بمرور الوقت من تزييف، نجد أنها تعتقد أيضا أن الله "روحاً" وهو ما ورد في سفر يوحنا إذ يقول: "الله روح، فلا يمكن أن نلمسه بأيدينا (يوحنا 4: 24).
ونرى أيضا ما هو خلاف "وحدانية الله" إذ يرد في إنجيل متى: " الله واحد ولكنه يوجد في ثلاثة أقانيم – الله الآب، الله الإبن، الله الروح القدس (متى 3: 16-17).
وهذا ما يتضارب مع حقيقة الله، من أنه واحدٌ لا شريك له، ولو كان له ذلك الشريك لظهرت رسله وآياته وقوانينه!
الله في الإسلام
في الإسلام، الله تعالى واحد أحد ليس كمثله شيء، قديم لم يزل ولا يزال، هو الأول والآخر، عليم حكيم عادل حي قادر غني سميع بصير، كما يذكر ذلك الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه عقائد الإمامية.
ويؤكد هذا الاعتقاد القرآن الكريم الذي نزل على قلب نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله {اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ﴿آل عمران: 2﴾.
وتتحدث سورة الإخلاص عن وحدانيته تبارك وتعالى بكل وضوح وشفافية {قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ﴿١﴾ اللَّـهُ الصَّمَدُ ﴿٢﴾ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴿٣﴾ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴿٤﴾}.
وهذه العقيدة التي جاءت بها آيات القرآن الكريم جرت أيضاً على ألسنة الأئمة عليهم السلام، فعن الإمام الصادق عليه السلام إنه قال: "هو شيء بخلاف الاشياء".
وتنقل لنا الروايات الشريفة أيضا، أن أحدهم جاء إلى الإمام الصادق عليه السلام، ليسأله عن الله، فقاله له: " يا ابن رسول الله! دلّني على الله ما هو؟".
فيجيبه الإمام عليه السلام: "يا عبد الله ، هل ركبت سفينة قط؟. قال: نعم . قال: فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم. قال : فهل تعلّق قلبك هنالك أن شيئاً من الاشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك؟ قال: نعم، فقال الصادق عليه السلام: فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي، و على الإغاثة حيث لا مغيث".
هذه الرواية، تكشف للمتسائل عن ماهية الله طريق معرفته كما ينبغي، وهو "الوجدان" والفطرة النقية التي فطر الله عليها البشر، والتي تظهر بوضوح شديد عند تعلق قلب الإنسان بالله المنجي من الهلكة في الشدائد والمحن.
خلاصة القول، إن نظرة فاحصة في النفس والآفاق من حولها تجيبنا عن أي تساؤلٍ حول وجود الله تبارك وتعالى، عندها سيظهر عجزنا الكبير أمام عظمته وبديع خلقه ولا يمكننا حينها إلا الاعتراف بفشلنا عن الإحاطة بتفاصيله.
حسين الخشيمي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق