بزيارة الإمام الحسين عليه السلام يتم العبد إيمانه ويكمل دينه

          ما أنفك الرائي ، يرى بجلي بصره ، قوافل المتوجهين صوب كربلاء المقدسة ، ليس في موسم الزيارة فحسب ، إنما هذه المرة خلال ليالي الجمعة وأيامها !!! حتى يقطع يقينا بأنها ـــ كربلاء المقدسة ـــ باتت ملاذا أنفسيا يشتاقه العراقيون أنى كانت تمذهباتهم ومناطقهم .

  فلم تعد المتنزهات والساحات العامة ملاذا كافيا لهم ، سيما وهم يبحثون عن منعتق صغير ولو ليوم واحد ، ينفسّون من خلاله ضغط أسبوعهم المليء بالعمل ؛ وربما بأوجاع العمل ، وهم يتشظون بما تريده منهم السياسة ورجالها مرة ، والإعلام واتجاهاته مرة أخرى ، وهموم العيش في مرات اخرى ، ناهيك عما يحتاجون إليه من وشيجة تربطهم بأصل خلقتهم بعد ان وعوا أنهم ما خلقوا إلا ليعبدوا بارئهم الواحد الأوحد خالق الأكوان جل وعلا  .

حتى بات النزوح الأسبوعي هذا ـــ والذي تحتشد فيه وعند مداخل كربلاء المقدسة وشوارعها وأزقتها بما في ذلك النائية منها ـــ بات ملمحا عصيا على التغيير ، ليس لأن له مستندا شرعيا فحسب ، بل ولأن فيها ـــ كربلاء المقدسة ـــ ما يجعل المرء يشعر بإنثياليات طقسية تأخذ بروحه صوب عروجات هي الأخرى تعتبر بحكم التنشيط اللازم للدورة العقائدية والعلائقية مع الله كون اهل البيت ومنهم سيد الشهداء عليهم السلام هم الرباط الأقدس الذي يصلهم مع السماء .

الحديث عن زيارة كربلاء المقدسة بشكل عام وليالي الجمعة ويومها بشكل أخص ، لم يخلو هو الأخر ـــ كحال باقي الممارسات الدينية والطقوسية ـــ من مستند شرعي وتوجيه عصموي ومستوجبات اخرى .

في الأسطر القادمة ، سنبين جزءً مما تواترت عليه الأخبار بخصوص زيارة كربلاء المقدسة ومنه ضريحي الإمام الحسين وأخيه أبا الفضل العباس عليهما السلام ؛ وما جعل أفئدة الناس ـــ على اختلاف مشاربهم ـــ تهوي إليهما .

زيارة الإمام الحسين عليه السلام ... المستند الشرعي ...

ففي محكم التنزيل (( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ...... )) ( إبراهيم ـ 37 ) ، يجد المتبصر منا في ضمنيات الآية القرآنية ، ان ثمة من يحبوه الله بميول قلوب الخلق نحوه ، ومحبتهم إليه ، وهو ما امتاز به أهل نبي الله إبراهيم عليه السلام عندما تركهم في واد غير ذي زرع حتى صيروه الناس بمحبتهم مدينة عامرة ، وهو ما حدث تماما عندما أسكن الله كربلاء مصارع الرجال من أهل بيته نبيه ، وصيرت من خلالهم ؛ كربلاء حاضرة مقدسة يستمد منها عنوان اكبر للشجاعة والإباء  .

نبويا ، فعن المصطفى الأمين صلى الله عليه وآله وهو يحدث ابن عباس قائلا : " يا بن عبّاس , مَن زاره عارفا ً بحقّه , كُتب له ثواب ألف حجّة وألف عمرة " ، وفي حديث أخر له صلى الله عليه وآله قال فيه : " هبط عليَّ جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمّد ... فيقيمون رسما ً لقبر سيّد الشهداء ... تحفّه ملائكة , من كل سماءٍ مائة ألف ملَك في كل يوم ٍ وليلة , ويصلّون عليه ويطوفون عليه ويسبحون الله عنده , ويستغفرون الله لمن زاره ويكتبون أسماء مَن يأتيه زائرا ً مِن أمّتك متقربا إلى الله تعالى وإليك" .  

تمام الإيمان وكمال الدين في زيارة الحسين عليه السلام ...

عن صادق أهل البيت عليه السلام ـ وكلهم صادق ـ في ثواب زيارة الإمام الحسين عليه السلام ؛ أنه قال : " مَن لم يأتِ قبر الحسين عليه السلام حتى يموت كان منتقص الإيمان , منتقص الدين , إن أدخل الجنة كان دون المؤمنين فيها " ، وفي حديث أخر له عليه الصلاة والسلام ، قال فيه : " زيارة الحسين "عليه السلام" واجبة على كل مَن يُـقـرّ للحسين بالإمامة من الله عز وجلّ " ، كما قال عليه السلام : " ما مِن أحدٍ يوم القيامة إلا وهو يتمنى أنه مِن زوّار الحسين "عليه السلام" لـِـما يرى ممّا يُـصنع بزوّار الحسين "عليه السلام" من كرامتهم على الله " .

زيارة الحسين عليه السلام ... الفرضالواجب .

  اما باقر علوم أهل البيت عليهم السلام ، فقد روي عنه انه قال : " مُروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين "عليه السلام" فإن إتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ للحسين "عليه السلام" بالإمامة من الله عز وجلّ " ، وفي حديث اخر ، قال فيه : " مُروا شيعتنا بزيارة الحسين بن علي - عليهما السلام - فإن زيارته تدفع الهدم ، والغرق والحرق وأكل السبع , وزيارته مفترضة على مَن أقرّ للحسين بالإمامة من الله عزّ وجلّ " .

وعن ضامنهم وثامنهم علي ابن موسى الرضا عليه وعليهم السلام ، انه قال : " موضع قبر الحسين "عليه السلام" منذ يوم دفن فيه روضة ٌ من رياض الجنة "

زيارة الإمام الحسين ... من دواعي المودة

يبقى ان نذكر ان زيارة الإمام الحسين عليه السلام من أبرز دلائل المودة ومصاديق الولاء لأهل البيت عليهم السلام وهو ما يدخل عليهم الفرح والسرور ، حيث ذكر معاوية بن وهب بعد ان دخل على أبي عبد الله عليه السلام اثناء صلاته وسمع مناجاته لربّه التي قال فيها " اللهم اغفر لي ولإخواني وزوّار قبر أبي ، الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) ، الذين أنفقوا أموالهم واشخصوا أبدانهم في بِرّنا ، ورجاء لما عندك في صلتنا ، وسروراً أدخلوه على نبيّك محمد (صلى الله عليه وآله) ، وإجابة منهم لأمرنا ..... "  .

وربما ثمة مآرب اخرى لمن يزور قبر سيد الشهداء وأخيه وحامل لواءه عليهما السلام فبين من يقصده لأجل التقرب الى الله فقط ، وبين من يقصده طلبا لحاجته من الله ؛ وبين من يرى في ذلك مدعاة لبلسمة أوجاعه ، وبين هذا وذاك مآرب شتى ، وأبواب كثر يؤتى الله من خلالها  ، حيث يقول الإمام الحسين عليه السلام " أنا قتيل العَبرة , قُتلتُ مكروبا ً , وحقيقٌ على الله أن لا يأتيني مكروب إلا ردّه وقَلَبَهُ إلى أهله مسرورا " .

وبين استحباب المشي إليه ، فـ " من أتى قبر الحسين سلام الله عليه ماشياً ، كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ، ومحا عنه ألف سيئة ، ورفع له ألف درجة " وقصده على سبيل الدوام ثمة إلهامات نفسية تخالل الزائر وتعرج به في سبل التكامل .

         اما عن الحضورات الأقديسة لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في زيارته جده الحسين الشهيد عليه السلام سيما في عاشوراءه واربعينه ومشاركته زواره بأفراحهم وإحزانهم وتخفيفه عنهم عناء وتعب الزيارة ، فهي مقصد أخر من مقاصد التقارب بين المنقذ المخلّص وقاعدته الجماهيرية ، وهو ما يجعل منها ـــ زيارة الحسين عليه السلام ــ  درسا تربويا وتعبويا للظهور المقدس والطلة البهية لصاحبها عجل الله تعالى فرجه الشريف .

 

الإمام الحسين عليه السلام ... مزار الله وملائكته وأنبياءه وأوصياه ...

ختاما نذكر ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال له صفوان الجمال وتزوره ـ يعني الإمام الحسين ـ جعلت فداك ؟ قال: " وكيف لا أزوره والله يزوره في كل جمعة يهبط مع الملائكة إليه ، والأنبياء والأوصياء ومحمد أفضل الأنبياء ونحن أفضل الأوصياء " .

كربلاء المقدسة ... الملمح السياحي والتجاري الأكبر والأدوم ...

كثيرة هي الأسباب التي صيرت من كربلاء المقدسة ،  سوقا سياحيا عامرا ، يضج بالحركة الدءوبة ، وهو ما جعل الآلاف يقصدونها من باقي المحافظات ، وربما من باقي البلدان ـــ كما نرى كثرة الأسيويين فيها ـــ لما تتمتع به من أجواء أمنة ، ناهيك عن تلك التي تميز ساكنيها بسرعة تآلفهم مع الزائر بغض النظر عن بلده .   

  نكتفي بهذا القدر اليسير من فضائل زيارة الإمام الحسين ــ في كل وقت ــ ومنها ليالي الجمعة وأيامها ، والخلاصة فيها بأنها سكينة للروح وضمانة للبقاء على حبل المودة مع الله ورسوله ومودته من خلال قرباه ، بل وأنها نقطة الشروع في تحصيل الحياة الطيبة في الدارين .

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة