يشترك أبطال ملحمة كربلاء في يوم ميلادٍ واحد، وهو العاشر من المحرم الحرام، حيث يسجل التاريخ مواقف لا نظير لها. منذ تلك اللحظة الحاسمة، وبعد أن سقط الحسين وأخيه العباس والثلة الطاهرة من أولاده وصحبه الكرام في معركة لم تكن متكافئة من ناحية العدة والعدد؛ ولدت زينب عليها السلام من جديد.لقد استطاعت زينب عليها السلام بعد ظهر عاشوراء أن تلملم ما بعثره الجيش الأموي من نساء وأطفال، كانت الأجواء حينها صادمة لدرجة لا توصف.. امرأة خمسينية وسط خيام محترقة وصراخات الأيتام، وبين فترة وأخرى يلوح لها جسد أخيها الحسين على الأرض بمنظرٍ لم تعهده من قبل، لكنها رغم كل ذلك حافظت على استقامتها وصبرها، وهنا يكمن سرها عليها السلام."حادثة مأساوية"سر زينب لم ينتهِ عند ذلك.. لقد أثارت هذه المرأة دهشة العالم بحادثة توقفت لها عقارب الزمن، فبعد أن سكن الجميع ليلة الحادي عشر، وعم الهدوء مكان الفاجعة، كانت قد انتهت للتو من أداء صلاة الليل من جلوس في هذا الوضع الحرج.. خرجت زينب عليها السلام تبحث عن جسد أخيها الحسين، كانت أرض المعركة تغص بالأشلاء المقطعة. وسط هذا المشهد المأساوي كيف ستجد جسد أخيها؟ وهو جسد بلا ملامح.. بلا رأس.. بأضلاع محطمة! كيف ستتعرف على الحسين إذن؟يُقال أنها عليها السلام استطاعت أن تتعرف على جسد أخيها الحسين من أكوام السيوف والرماح على جسده الطاهر، بعد أن اشترك جميع أفراد جيش عمر بن سعد بقتله وسحقه بالخيول.جلست عليها السلام عند بقايا ذلك الجسد، اخذت تزيل عنه أكوام السيوف والحجارة والرماح.. كانت تنظر لجسد أخيها الممزق بحرقة.. رفعته قليلاً عن الأرض ثم قالت: "اللهم تقبل منّا هذا القربان".. وانهت زينب عليها السلام مشهد الألم.كيف استطاعت زينب أن تصبر؟من هذا الموقف ومواقف أخرى، يثار التساؤل التالي: "كيف استطاعت هذه المرأة أن تقف بكل هذه القوة أمام هذا الكم الرهيب والمرعب من المآسي والفواجع"؟.باختصار شديد، إنها "تربية الوحي" التي صاغت شخصية زينب عليها السلام، فمنذ طفولتها وهي تتلقى كلمات ذلك الوحي من جدها، وأبيها، وأمها، واخوتها. "لا أقول يا أبتاه"!!وتنقل مصادر تاريخية رواية توضح مدى تعلق قلب زينب عليها السلام منذ أن كانت طفلة بخالقها، وكيف كانت موحدةً لله، كانت تشاطر أهلها أوقات التهجد والتفكر، وهنا يكمن أيضا سر من أسرار تماسكها وشجاعتها. وتقول الرواية "إنها -أي زينب- كانت جالسة في حجر أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لها أبوها: بنيّة قولي واحد، فقالت: واحد، ثمّ قال لها: قولي اثنين، قالت: لا أقول يا أبتاه، قال: بنيّتي لِمَ لا تقولين اثنين؟ قالت: لساني جرى على الواحد ولا يجري على الاثنين.. فضمها الى صدره وقبلها بين عينها ".ختاماً، التوحيد.. هو أكثر ما يجعل من الإنسان شخصاً صلباً ومتماسكاً في الأوقات الحرجة والمواقف الصعبة، وهذا ما ظهر جلياً على مواقف زينب عليها السلام بعد فاجعة عاشوراء.حسين الخشيميالموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق