ثمانيني على ساتر المواجهة مع داعش لم تتجاوز مطالبه سوى أمنية واحدة فحققها الله له مباشرة

لفتت انتباهي تلك الشيبة البيضاء وذلك الوجه الصبوح ، كان رجل مسن بروح طفل بريء .

دفعتني رغبتي للبحث عن سر ذلك البهاء الذي يحمله هذا الرجل ، والدوافع التي جعلته ينضوي في صفوف الحشد الشعبي ، فطلبت من المصور الذي يرافقني بان يرصد تحركات " الشيخ " ـ هكذا كانوا ينادونه رغم انه لم يلتحق بالحوزة العلمية ولم يكن يلبس العمامة ـ وقلت في نفسي سأجري معه مقابلة تلفزيونية وهو جالس خلف الساتر الذي يقابل العدو فتقدمت إليه وقلت له: "ارغب في إجراء لقاء معك ولخمس دقائق فقط" ، فأجابني بابتسامة صغيرة دخلت قلبي دون أستاذان ثم قال: "ما يحتاج"، وحينها احترمت رغبته ولم الح عليه بالطلب ورجعت أدراجي إلى حيث المقر العسكري الذي يبعد حوالي (3) ألف متر عن الساتر، وكان وقت الغداء قد حان، فتقدمت برفقة زميلي المصور إلى مائدة الطعام التي جلبها المتبرعون،  وكان المقاتل الذي يجلس أمامي مباشرة ينظر إلي وفي عينه حديث فقلت له:

ـ تحدث أخي ... أني خادمك.

ـ فقال: "إلى ماذا تريد أن تصل مع الشيخ " .

ـ فقلت له: "أحببت أن أتعرف على حياته " .

ـ فتبسم وقال : " بعد أن ننتهي من الغداء سأروي لك قصته " .

وبعد أن انتهينا من الغداء صرت ابحث عن الشخص الذي اجهل اسمه وبعد قليل مسك يدي احدهم وحين التفت وجدته هو وقلت له :

ـ كنت ابحث عنك فقال: اعلم .

ـ اخذ بيدي يجرني فقلت: " إلى أين ؟ " .

ـ قال : " ألان ستفهم " .

فمشينا إلى أن وصلنا إلى غرفة داخل المعسكر، وكان فيها شابان فسلمنا عليهما وعرفهم لي بأنهم أبناء الشيخ وعرفت حينها إن الشيخ لم يأت لوحده للقتال بل جلب أبناءه، وما أثار فضولي هو لماذا هم في المعسكر بينما الشيخ في الساتر؟

هذا السؤال طرحته على احد أبناءه فأجابني:

ـ والدي يتبادل معنا الوجبات فتارة نصعد نحن في (المتقدم) وتارة هو، وأكثر الوقت هو من يلزم بدلنا الواجب وحين يحس بان احدنا تعب أو مرض لا يفارق الواجب رغم إننا نلح عليه .

وبينما نحن نتحدث وإذا بي اسمع صوت زميلي المصور وهو يطلب مني التوجه إلى الساتر الأمامي لوجود تعرض فأسرعت حينها، ووصلنا في الوقت المناسب حيث كان الأبطال يصدون هجوما على احد القطاعات ، وحين زال الخطر دخلنا في خيمة قرب الساتر، فوقعت عيني مباشرة على الشيخ الذي كان يتقدم المقاتلين ويدعوهم إلى مزيد من الصبر والتحمل والتضحية وكنت حينها ابحث عن احدهم يتحدث لي عن الهجوم وكيف استطاعوا رده، فطلبت من احدهم أن يتحدث لي وقام جميع من في الخيمة وطلب المتحدث أن يكون الشيخ إلى جنبه وهو يتحدث إلى الكاميرا، وبينما بدء المقاتل بالحديث كنت أنا انظر إلى الشيخ الذي كان يهز رأسه بتأكيد كل كلمة ينطق بها المقاتل، وهنا قلت في نفسي سأنتقل بالمايكرفون مباشرة للشيخ واجعله يتحدث وطلبت من المصور الانتقال من المقاتل إلى الشيخ وكأننا في بث مباشر وهذا ما حدث فعلا وكنت قد سألته :

ـ ما الذي يجعلك تقدم إلى ساحات القتال رغم انك كبير في السن ؟

وكان نص ما اجبني به: " هو العمر كظة والباقي منه نزكي هنا في ساحات القتال اقلها واحد يحصل شهادة درة شهادة شرف " .

أثرت كلماته بي وبالحاضرين، ورجعت يومها إلى القناة وكان من بين ما اختارته القناة وأوعزت أن يتم نشره مباشرة على اليوتيوب ويكون على شكل فواصل يومية حديث الشيخ تحت عنوان "زكاة العمر"، وقد شاهدت في اليوم الثاني العشرات من التعليقات نسبة كبيرة جداً منها يدعوا فيها الناس ان يرزق الله الشيخ شرف الشهادة وبعد أسبوعين تقريبا جاءنا الخبر إن الشيخ قد نال هذه الشرف، وانتقل إلى جوار ربه حينها تيقنت إن الشهادة لا ينالها إلا من اختاره الله من عباده الصالحين.

   عمار الخزاعي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات