يجب أن يعي الجميع.. أن كل هذا الضجيج الذي يحيط بـ "داعش" منذ ظهوره وحتى اليوم، لم يظفر بتحقيقه إلى جانب كل هذا الدمار والقتل؛ إلا بـ "رعب" الشعوب المتجذر في نفوسهم، و "السطحية" في الفهم لقراءة ما وراء السطور. إن أدنى مراجعة بسيطة لتاريخ الحركات العابثة في الأرض يظهر لنا هذه الحقيقة بوضوح، فتنظيم "داعش" ليس سوى نسخة "محدثة" من "التتر" أو "المغول" ومثيلاتها، غير أنه انتهج وسائل عصرية لتحقيق توسعته وسيطرته على المزيد من الأراضي في المنطقة.
نعم كل الحركات العابثة اعتمدت "الإشاعة" وسيلة لتحطيم إرادة الانتفاض والمواجهة ضدها، لكن "داعش" ربما يكون الوحيد الذي انفرد بتوظيف تطور سرعة انتقال المعلومات عبر الإعلام الرقمي بإضفاء شيءٍ من الإفك والأحداث "المفبركة" على شائعاته، فكان للناس النصيب الأوفر من "الرعب" و "الهزائم" و لداعش "الاستحواذ" و "التمدد".
ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الفيديوية يراهن "داعش" أيضا على كسب الآلاف من المجندين في صفوفه، والمريدين لأفكاره المتطرفة، لقد استطاع داعش بمرور الوقت أن يكون الوجه الأول لجميع الحركات الإسلامية المتطرفة المناوئة له، بعد أن وظف كل طاقاته لتمرير أفكاره وعرض ممارساته الوحشية عبر "تويتر" و "فيسبوك" و "تويتر" وأخيراً الألعاب الإلكترونية التي يعتقد خبراء ومختصون نفسيون أنها أصبحت أشد خطورة على الشباب والمراهقين بعد أن دخلت داعش في تطوير العديد من هذه الألعاب واستخدامها أيضا كوسيلة للتواصل.
أيضاً يراهن داعش منذ أيامه الأولى في سوريا وبعدها العراق على "حرفيته" في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتوظيفها بالشكل الذي يصب لصالح نشر "دعايتها" في العالم سيّما الدول التي يستهدفها.
يوضح ذلك تقرير نشره معهد "بروكنجز" الأمريكي الذي اطلع عليه الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة، يذكر التقرير أن المجموعات المتطرفة جندت في سوريا منذ بداية عام 2015 أكثر من 20 ألف مقاتلاً أغلبيتهم انضموا إلى صفوف "داعش" لسبب رئيسي في نجاح عمليات التجنيد، ألا وهو مهارة أعضائها باستخدام الدعاية ووسائل التواصل الاجتماعي والالعاب.
منفذ هجوم "سوسة" يستعين بلعبة لقتل 40 شخصاً!
لكن دلائل واقعية تشير إلى أن "الألعاب الفيديوية" التي يستخدمها الأطفال والمراهقين عبر هواتفهم واجهزتهم اللوحية لا يمكن الاستهانة بها أبداً، ولا تقل خطورة عن مواقع التواصل الاجتماعي، لأن داعش تمكن عبر هذه الألعاب من "غسل أدمغة" الكثير من الأطفال والمراهقين، ويؤكد ذلك ما حدث العام الماضي وتحديداً في الـ26 يونيو 2015 وهو ما يعرف بهجوم مدينة "سوسة" في تونس، الذي راح ضحيته نحو 40 سائحاً مع منفذ العملية "المراهق" والذي تنبته "داعش" بعد يوم من تنفيذ العملية، تقول والدة المنفذ: "إن ولدي كان يخشى قتل فأر عندما أطلب منه ذلك فكيف تمكن من قتل 40 إنساناً من المؤكد أنه تعرض لغسيل دماغ".
وبحسب متابعين فإن العملية التي نفذ من خلالها الهجوم حاكت نفس عمليات ووسائل لعبة "صليل الصوارم" التي أطلقها داعش في وقت سابق.
أما لعبة " كول إف ديوتي 8" فقد أثارت هي الأخرى مخاوف الكثيرين لأنها تلاقي رواجاً واسعاً بين شريحتي الأطفال والمراهقين، خصوصاً وأن "داعش" يتمكن من دخول هذه اللعبة ومحادثة من يلعبها، مستغلين خبرتهم في استخدام التقنية ومواقع التواصل الاجتماعي وغير ذلك لحشد تعاطف الناس عامة والأطفال خاصة أو لمهاجمة معارضيهم.
فيما تكشف تقارير اطلع عليها الموقع الرسمي للعتبة الحسينية عن انضمام ما لا يقل عن 400 طفل دون سن 18 سنة لداعش منذ مطلع العام المنصرم، والعدد في ازدياد مستمر في إطار محاولات التنظيم المستمرة لتجنيد الأطفال ضمن صفوفه.
ألعاب فيديوية لبرمجة "العقول" واستمراء "ممارسة القتل"
وذكر محللون نفسيون أن الألعاب الإلكترونية أصبحت أداة لبرمجة أفكار الأطفال والمراهقين، وحتى الشباب، بما تتضمنه من مشاهد وسيناريوهات وممارسات أحدثت لديهم حالة من استمراء الممارسة التي تتضمنها اللعبة، ومنها القتل، فتتأثر ذهنية المستخدم، وهنا مكمن الخطر.
فيما ويرى مختصون في التقنية وألعاب الفيديو أن الألعاب الإلكترونية بدأت تتطور بشكل ملحوظ منذ عشر سنوات وأنها بدأت تصل إلى مرحلة مشابهة للواقع، لدرجة عدم تفرقة الأهل ما إذا كان الذي يشاهده أطفالهم واقعيا أم مجرد لعبة إلكترونية.
ويؤكد هؤلاء أن هذه الألعاب تنشر العنف وأن سبب انتشارها يعود إلى عدم وجود قانون يمنع بيعها للأطفال، فيما تكشف دراسات أجرتها مراكز مختصة أن نسبة تداول هذه الألعاب من فئة الشباب ما بين 15 إلى 35 سنة تزيد على 50%، والأغلب يكون عن طريق مواقع أجنبية أو تهريبها من المنافذ وبيعها في السوق السوداء.
لماذا لم ترخص المرجعية ممارسة "Clash of Clans"؟!
ولأن تأثير هذه الألعاب واستغلالها من قبل "داعش" بدأ يطفو على السطح لدرجة أنها أصبحت مصدراً لإنتاج أفكار جديدة لممارسة القتل والتدمير؛ أثيرت وفي العراق على وجه الخصوص قضية لعبة " "Clash of Clansالتي أثارت بعد صدور "عدم الترخيص" ببيعها ولعبها من قبل المرجعية العليا جدلاً واسعاً من قبل المهتمين بها، صحبتها موجة من الرفض والاعتراض من بعض الجهات التي بدأت تشعر بفشل مشروع "الفوضى" في العراق جراء التأثير العميق لخطاب المرجعية في المشهد السياسي والاجتماعي.
بالتجربة!.. لا يمكن لهؤلاء نكران أن المرجعية العليا قادت العراق نحو النجاة والخلاص من كوارث حتمية الوقوع، ولكن ما ينقصهم هو فهم المنظومة الفكرية والفقهية للمرجعية وكيفية وقراءتها للواقع ومعالجة مشاكله، ومنها عدم ترخيص ممارسة لعبة "Clash of Clans" و اعتبار معاملة بيع مراحل هذه اللعبة معاملة "باطلة" لأنها لا تعدو أكثر من وسيلة لهدر المال دون مقابل، في الوقت الذي يعتبر فيه المذهب الشيعي أن مال المسلم مالاً محترماً لا يجب هدره في موارد لا تجلب له منفعة "عقلائية" كما يُعبر في الفقه.
تبني روح العنف والحصول على الأموال عن طريق "الإغارات" القبلية التي تتبناها استراتيجية لعبة "Clash of Clans" قد يكون هو الآخر أحد اسباب عدم الترخيص باللعب، لأن الفقهاء وكعادتهم لا يستطيعون الوقوف مكتوفي الأيدي أمام أي خطر يهدد المجتمع وإن كان بنظر أفراده لا يستحق الاهتمام، خصوصاً وإن كان هذا الخطر يمس شريحة مهمة جداً في البلد، وهي "الشباب" الذي يراهن بهم العراق على دحر الإرهاب والقضاء على الفساد وبناء دولة قوية.
حسين الخشيمي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق