أكد ممثل المرجعية العليا، والمتولي الشرعي لحرم الإمام الحسين، عليه السلام، الشيخ عبد المهدي الكربلائي، أن منهج الإصلاح يأتي بمعالجة النفس البشرية وتهذيبها.
وقال في جانب من خطبته الأولى من صلاة يوم الجمعة، التي حضرها حشد غفير من المؤمنين في الصحن الحسيني الشريف، إن الإمام الباقر عليه السلام اهتم بتزكية النفوس وتطهيرها لإصلاح الفرد.
وأضاف، في إشارة منه إلى إصلاح المجتمع "كان منهجة هو منهج أهل البيت يهدف إلى علاج النفوس البشرية وإثارة عوامل الخير في الفرد ومن ثم المجتمع".
وفي مايلي النص الكامل للخطبة الأولى من صلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 7/ذي الحجة/1437هـ الموافق 9 /9 /2016 م :
اهتم الامام الباقر (عليه السلام) ضمن منهاجه لاصلاح الامة بتزكية النفوس وتطهيرها لاصلاح الفرد ومن ثم اصلاح المجتمع ، فكان منهجه الذي هو منهج اهل البيت (عليهم السلام) يهدف الى علاج النفوس البشرية وتهذيبها واثارة عوامل الخير فيها لتكون هي الفاعلة واضعاف عوامل الشر والغفلة لتفقد تاثيرها في النفوس..
ولهذا المنهج مقوِّمات :
الاول : تقوية الارتباط بالله تعالى.
واساس هذا الارتباط هو معرفة الله تعالى وتنطلق من التفكر والتدبّر في عظمة الله تعالى من خلال التأمل والتفكر في عجائب خلقه وبدائع صنعه وكيفية تدبيره لشؤون خلقه والتدبر في صفاته ليقوى عنده الايمان بالله تعالى ومن ثم تقوية الشعور بالرقابة الالهية والاحساس بان الله تعالى مطلع على كل ما يصدر من الانسان ويحصي عليه حركاته وسكناته ويراقب افعاله وسلوكه وسيرته بل هو مطلع على مشاعره وعواطفه وسرائره..
ومن جملة الحوافز لاصلاح النفس وتزكيتها هو التوجه الى اليوم الاخر ونزع حب الدنيا من القلب وان يترسخ لدى الانسان ان الدنيا دار ابتلاء وامتحان وعبور للاخرة التي هي دار مقر واطمئنان وخلود..
واذا حصلت هذه المعرفة نتج عنها الحب لله تعالى والحب الصادق يحول بين الانسان وبين مخالفة محبوبه ويتجلى صوت الحب في الاتباع كما قال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) – سورة آل عمران- ، ومن بعدها أي بعد المعرفة والحب لله تعالى يأتي الاستسلام له والانقياد له ثم العزم على طاعته والعمل الصالح والمواظبة عليه..
والارتباط بالله تعالى يتجسّد في مراتب عديدة :
حسن الظن بالله تعالى ورجاء رحمته : فقد روى الباقر (عليه السلام) عن بدء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال : " والذي لا اله الا هو ما اُعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة الا بحسن ظنه بالله ورجائه له وحسن خلقه والكف عنه اغتياب المؤمنين". المواظبة على العبادات الواجبة والمستحبة فانها تعمق وتثبّت الشعور بالرقابة الالهية وتطهر النفس من الذنوب وتشعر بالاتصال بالله تعالى، والاكثار من قرائة القران الكريم والتواصل مع اهل العلم والعلماء ومخالطة الصالحين واهل التقوى والدين ونحو ذلك..الثاني : الاقرار بالذنوب والتوبة منها :
ان طبيعة الانسان تجعله يستقيم احياناً وينحرف احياناً اخرى فيرتكب الذنب والمعصية، ومن اجل اصلاح النفوس لابد من معالجته هذه الحالة المرضية وذلك بمحاسبة النفس باستمرار والاقرار بالخطأ وارتكاب الذنب ثم التوبة الصادقة من خلال الندم والعزم على عدم العود وتبدأ التوبة بالالتفات الى ان الانسان ارتكب ذنباً والاقرار به..
فقال (عليه السلام) : " والله ما ينجو من الذنب إلاّ من أقر به"
والتوبة تمحي الذنب وتزيل اثره من القلب والنفس .. فيعود الانسان من خلالها الى حالة الاستقامة.. "التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ"
الثالث : الحذر والاحتياط من الوقوع في الذنوب :
وهي تتطلب ان يكون الانسان دقيقاً ومراقباً للحالات التي تكون من الاسباب والمقدمات للوقوع في الذنوب والمعاصي فيراقب عواطفه ومشاعره وكل موقف وكل كلمة تصدر منه وخصوصا دواخل النفس من مسببات ومناشئ الذنوب..
ومن ذلك الاحتياط الشديد في الكلام وفي الحكم على الاشخاص الاخرين وممارساتهم واعمالهم وفي تناول الاخرين بالغيبة والنميمة والبهتان ونحوها..
قال (عليه السلام) لأحد اصحابه : " يا فضيل بلِّغ من لقيت من موالينا عنّا السلام، وقل لهم : اني اقول : اني لا أغني عنكم من الله شيئاً إلا بورع، فاحفظوا ألسنتكم، وكفّوا أيديكم، وعليكم بالصبر والصلاة، ان الله مع الصابرين.
الرابع : كسر الألفة والاعتياد بين الانسان وسلوكه المنحرف والمعصية..
فان الانسان اذا تكررت من المعصية والسلوك المنحرف ولم يحارب ذلك اعتاد عليه وأنس به وألفه، حتى يصبح امر طبيعياً جدا ً في حياته ترضاه نفسه ويقبله قلبه بل يألفه ومن اجل ان لا يتحول الى هذه الرحلة الخطيرة فهو بحاجة الى كسر هذه الالفة وازالة هذا الاعتياد (العادة) وذلك من خلال ايجاد الكراهية للسلوك المنحرف وترسيخ المعرفة بآثاره الضارة وايجاد حاجز نفسي بينه وبين المعصية.. ومن باب المثال التأمل في الحديث التالي :
قال (عليه السلام) : ان اسرع الشر عقوبة البغي، وكفى بالمرء عيباً ان يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه، وان يأمر للناس بما لا يستطيع التحوّل عنه، وان يؤذى جليسه بما لا يعنيه.
الخامس: تجيب السلوك السليم للانسان :
فقد عمل الامام (عليه السلام) على تحبيب السلوك الصالح للانسان المؤمن وذلك من خلال ربطه بالعبادة، وكذلك بواسطة طلب العون من الله تعالى ليتمكن العبد من الاتيان بالاعمال الصالحة لانه قد يصعب على الانسان احياناً الاتيان بهذه الاعمال..
فقال (عليه السلام) : ما من عبادة افضل من عفة بطن وفرج، وما من شيء احبُّ الى الله من ان يُسأل، وما يدفع القضاء الا الدعاء، وان اسرع الخير ثواباً البر..
وحبّب اليهم حسن الخلق والرفق من خلال بيان نتائج وثمار ذلك :
فقال (عليه السلام) : " من اعطي حسن الخلق والرفق، فقد اُعطي الخير كله، والراحة، وحَسُن من دنياه واخرته، ومن حُرم الرفق والخلق كان ذلك له سبيلا ً الى كل شر وبليّة الا من عصمه الله تعالى..
وحثّ على الاخلاق الفاضلة وحسن السيرة والمعاشرة والخصال الحميدة، فقال (عليه السلام) : "عليكم بالورع والاجتهاد وصدق الحديث واداء الامانة الى من ائتمنكم عليها برّا كان او فاجراً، فلو ان قاتل عليّ بن ابي طالب، ائتمنني على امانة لأديتها اليه.
السادس : تنبيه شيعته الى الحذر من التشيّع الكاذب:
فالتتبع للروايات الواردة عنه (عليه السلام) بيّن ان الامام (عليه السلام) كان ينبّه كثيراً اصحابه الى خطورة التشيع الكاذب وادعاء الانتهاء لاهل البيت عليهم السلام من دون اتباعهم في منهجهم وبيّن (عليه السلام) ان خصائص ومواصفات الانسان الذي يدّعي الانتماء لخط اهل البيت عليهم السلام حتى يصبح شيعياً صادقاً في دعواه ومن دونها فانه يكون مدّعٍ للولاء كاذب في دعواه.. وذلك من خلال بيان الخصائص العبادية والسلوكية والاجتماعية من حيث علاقاتهم فيما بينهم وبين الاخرين:
فقال (عليه السلام) : " انما شيعة علي : المتباذلون في ولايتنا، المتحابون في مودتنا المتزاورون لاحياء امرنا، الذين اذا اُغضبوا لم يظلموا، واذا رضوا لم يسرفوا، بركة على من جاوروا، سلم لمن خالطوا..
وبيّن (عليه السلام) اسس التقييم الموضوعي والايماني لمن يريد اثبات صحة ولائه وانتمائه لاهل البيت عليهم السلام منها التزامهم بمبادئ القران الكريم وقيمه في مختلف مجالات الحياة الاسلامية في العبادة والارتباط بالله تعالى وفي اتباع منهج اهل البيت في العلاقات الاجتماعية مع الاخرين..
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق