قال ممثل المرجعية العليا، والمتولي الشرعي لحرم أبي الفضل العباس، عليه السلام، السيد أحمد الصافي، إن اعتقادنا بالأئمة أنهم السلسلة الكريمة المرتبطة بشكل مباشر بالنبي، صلى الله عليه وآله.
وأضاف، في جانب من خطبته الأولى لصلاة يوم الجمعة من داخل الصحن الحسيني الشريف، أن هذا الاعتقاد ليس من عنديّاتنا بل هو كما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا).
وأشار إلى أن الارتباط بالأئمة عليهم السلام إنما هو بالنتيجة الارتباط بالله، ولذلك لم يكن أحد من المعترضين عليهم -أي الأئمة- يطالب بالدليل على ما حكموا بين الناس لأنهم على وثاقة من ارتباط الإمام بالله.
وفي ما يلي النص الكامل للخطبة الأولى من صلاة يوم الجمعة التي أقيمت في الصحن الحسيني المطهر بتاريخ 02 / 09 / 2016 :
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أبي القاسم محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين، الحمد لله الذي بطن خفيّات الأمور، ودلّت عليه أعلام الظهور، وامتنع على عين البصير، فلا عينُ من لم يره تُنكرُه، ولا قلبُ من أثبته يُبصرُه، سبق في العلوّ فلا شيء أعلى منه، وقرب في الدنوّ فلا شيء أقرب منه.. إخوتي أهل الإيمان أبنائي أمل البلاد آبائي وقار البلاد، أخواتي شرفي بناتي حسناتي أمّهاتي مربّياتي السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، أوصيكم جميعاً ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله تبارك وتعالى فإنّ تقواه مفتاح السداد وذخيرة المعاد وعتقٌ من كلّ مَلَكة ونجاةٌ من كلّ هلكة، بها ينجح الطالب وينجو الهارب وتُنال الرغائب، ألبسنا الله تعالى وإيّاكم لباس التقوى، عظّم الله لكم الأجر بشهادة الإمام التاسع الإمام الجواد(صلوات الله وسلامه عليه) سائلين الله تبارك وتعالى أن نُشمل بشفاعته.
قبل أن أبدأ ما تقدّم الكلام عنه في دعاء التوبة للإمام زين العابدين(عليه السلام) لعلّ هناك سؤالاً يراود الكثير منّا وهو: ما هي الجريرة التي ارتكبها الإمام الجواد(عليه السلام) حتى يُدسّ له السمّ؟!! طبعاً عندما يُعرّف الإمام الجواد بأكثر من طريق من طرق المؤرّخين تجد الثناء الهائل على الإمام الجواد، ولعلّ سيرة الإمام الجواد(عليه السلام) فيها وقفات وهذه الوقفات تحتاج الى تأمّل، عندما نتابع بعض ما وصل الينا من سيرة الإمام الجواد(عليه السلام) نجد أنّها تحتاج الى تتبّع، ولعلّ الشيء الذي دائماً يبرز في حياة الإمام الجواد هو أن يقوم مقام والده الإمام الرّضا(عليه السلام) وهو يبلغ من العمر تقريباً خمس سنوات، وقطعاً هذا العمر يُثير استغرابَ مَنْ في عصره أن كيف يقوم صبيٌّ بدورٍ كبيرٍ جدّاً وليس دوراً سهلاً وهو دور الإمامة، كيف يقوم وينهض بهذا الأمر صبيٌّ لا يتجاوز بضع سنين، والى الآن لعلّه عندما يريد البعض أيضاً أن يذكر هذه المسألة يحسبها من المسائل التي أشبه ما تكون بالإشكال، طبعاً نحن نعتقد أنّ الأئمّة(عليهم السلام) هم السلسلة الكريمة وهي سلسلة مرتبطة بشكلٍ مباشر بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله)، بمعنى أنّه ليست هذه الأمور من عنديّاتنا بل كما جاء في القرآن الكريم: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)، أي أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) برز هذا الأمر من لسانه الشريف، فإذن هناك ارتباط وهذا الارتباط بالنتيجة ارتباط بالله تبارك وتعالى، ولذلك فإنّ الشيء المهمّ والملفت للنظر أنّ أيّ أحدٍ من الأئمّة الأطهار عندما كان ينسب الحكم الى الله تعالى لا تجد معترضاً، بل الإمام لا يُطالب بالدليل حتّى في الأوساط العامّة إذا طولب بالدليل فهو يأتي بآيةٍ من القرآن الكريم، في مثل هذا العمر -عمر الصبا- يتحمّل الإمام الجواد(عليه السلام) مسؤولية الإمامة فهذا أمرٌ بارز في حياته، وإذا كان الأمر مرتبطاً بالله تعالى فأيضاً نأتي الى الله والى أنبيائه نرى أنّ هذه المسألة ليست غريبة عن هذه السلسلة، نعم.. هي قد لا تحصل دائماً أو بتعبيرٍ آخر أفرادها معدودون في الوضع العام، لكن في وضع الرسالات نجد أمثلتها واضحة في عيسى(عليه السلام) مثلاً الذي تكلّم في المهد صبيّاً ورفع التهمة عن والدته العذراء(سلام الله عليها) وبيّن ما هو تكليفه، ويحيى كذلك كما جاء في القرآن الكريم: (يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)، هذه السلسلة عندما ترتبط بالله تبارك وتعالى لا يكون هناك -في الواقع- مثار للاستغراب، لكن نعم.. هي مطلبٌ يحتاج الى تأمّل في هذا العمر لصبيٍّ خمس سنوات، ولذلك بعد أن أراد المأمون أن يزوّجه ابنته أمّ الفضل اعترض عليه بنو العباس، فأراد أن يُفحمهم من جهة علمه أي بما يحمل الإمام الجواد من العلم، قال: سنجلس مجلساً عامّاً واختبروه في العلم، وفعلاً وقع الاختيار على قاضي القضاة في وقته يحيى بن أكثم وجلسوا مجلساً عامّاً فبدأ يحيى يسأل الإمام(عليه السلام) في مسألةٍ قال: ما تقول في محرمٍ قتل صيداً؟ فبدأ الإمام يشقّق ويفرّع المسألة بحيث ذلك لم يعرف تشقيقات المسألة والإمام أعاد عليه السؤال وأيضاً لم يفهم، هذا كلّه من باب إظهار قدرة الإمام(عليه السلام) على ما عنده.
يبقى السؤال الأوّل إذن لماذا قُتِلَ الإمام؟؟ والإمام الجواد يبلغ عمره الشريف خمساً وعشرين سنة ودُسّ له السمّ واستُشهِدَ، حقيقةً الموضوع يستحقّ منّا أن نبذل كثيراً من الوقت له، لكنها ضمن سلسلة الدعاء فقط أحبّ أن أنوّه الى مسألة في غاية الأهمّية، طبعاً الإمام الجواد(عليه السلام) لم تؤشّر عليه أيّ حالة من الحالات التي فيها نقص -والعياذ بالله- فهو عبارة عن الشخص الكامل، وعادةً الشخص الكامل يكشف نقص الآخرين، ولذلك حاول الآخرون بشتّى الوسائل أن يصنعوا مع الإمام الجواد(عليه السلام) كما صنعوا مع أبيه ومع أولاده، كما في الإمام الهادي(عليه السلام) وربّما تأتي أيضاً مناسبةٌ نذكر فيها المحاولة التي أُريد لها أن تصنع مع الإمام الهادي، وأيضاً استُشهِدَ الإمام الهادي وكان عمره صغيراً حين استشهاده، الشخص الكامل عادةً يثير ويكشف سوءات الآخرين، أنت الآن عندما تأتي بشيء في منتهى الكمال والروعة وتجعل بجانبه شيئاً آخر، قطعاً لا يُلتفت الى ذلك الشيء وإنّما يُصبّ الاهتمام بهذا، الإمام(عليه السلام) كان الحجّة في كلّ شيء في العلم هو الأوّل وفي الزهد وفي العبادة وفي النسب وفي القوّة الفكرية، وبالنتيجة إذا لم يُضمّ الى الآخرين الناس ستقول: ما بال الإمام يبتعد عن هؤلاء لابُدّ من وجود مثلبة عند هؤلاء، فلاحظوا إخواني هذا الوجود المقدّس للإمام بنفسه هو عبارة عن مثلبة للآخرين ما لم ينضمّ إليهم، فما دام الإمام(عليه السلام) بعيداً معنى ذلك هناك نقص عند الآخرين، فإذا لم ينضمّ الإمام(عليه السلام) الى هذه المجموعة ستبقى الفجوة كبيرة بينهم وبين الآخرين، ما دام الإمام في جانب إذن هؤلاء عندهم مشكلة وبالنتيجة لابُدّ أن يُقضى على الإمام حتى يتخلّصوا من المشكلة، على العموم هذا شيءٌ على نحو العجالة وإذا نرجع الى حديث النبيّ(صلّى الله عليه وآله) في أمير المؤمنين عندما يقول: (عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ) إشارة أيضاً الى هذا المطلب أنّ هذا الشخص ما دام في هذا الجانب إذن الحقّ معه، فإذا لم يكن أحدٌ معه فالمشكلة عند ذلك الأحد وليست عند أمير المؤمنين، إذن الإمام الجواد(صلوات الله وسلامه عليه) نتيجة طبيعيّة عند الذين لا يحبّون الكمال أن يجهضوا المشروع الكامل الذي جاء به الإمام الجواد(سلام الله عليه)، ولعلّ للحديث بقية.
نرجع الى الإمام زين العابدين(صلوات الله وسلامه عليه) عندما أشار الينا في قضية دعاء التوبة الذي ذكرنا منه بعض الحديث، الإمام(سلام الله عليه) يريد أن يبيّن لنا التوبة النصوح، والتوبة النصوح هي ليست عبارة عن كلامٍ يقول الإنسان: إنّي تبت، وإنّما لابُدّ أن يرتّب الأثر على هذا الفعل، فقال الإمام -بعد أن ذكرنا شطراً من حديثه-: (أَللّهُمَّ أَيُّمَا عَبْدٍ تَابَ إِلَيْكَ وَهُوَ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ فَاسِخٌ لِتَوْبَتِهِ، وَعَائِدٌ فِي ذَنْبِهِ وَخَطِيْئَتِهِ، فَإِنِّي أَعوُذُ بِكَ أَنْ أَكُونَ كَذٰلِكَ)، طبعاً هذا الكلام من الإمام فيه مطالب في العقيدة قد تكون ثقيلة، لكن نحن لا ندخل في صلب هذه المسألة وإنّما نتكلّم بكلامٍ عام، الإمام(عليه السلام) يقول: (أَللّهُمَّ أَيُّمَا عَبْدٍ تَابَ إِلَيْكَ) إذن تحقّقت التوبة من هذا العبد، وعبّر الإمام عنه بالفعل الماضي فوقع الفعل من هذا العبد وهو فعل التوبة، هل هذا المقدار يكفي؟! الإمام(عليه السلام) يدخل في عمق المسألة، ونحن ذكرنا سابقاً مطلباً معيّناً وهو أنّ الإنسان عندما يتعوّذ يعني أنّه يلجأ الى الله من شرّ شيء، فعندما يقول: إنّي أعوذ بك من الشيطان، فمعناه أنّ الإنسان يلجأ الى الله تعالى من شرّ شيء فيستعصم ويتمسّك ويتوجّه الى الله حتى يبتعد عن الشيطان ومعنى المعوذة هذا، وعندما نقرأ (قل أعوذ بربّ الفلق) (قل أعوذ بربّ الناس) فنحن نستعيذ بالله من شيء، فعندنا حرفا جرٍّ هما الباء والـ من، إنّي أعوذ بك معنى ذلك أنّي جئت اليك واستعذت بك فأنت القوّة التي تُعيذني والتي تمنعني والتي تحميني، من أيّ شيء؟ من الشيطان. أو كما في الآية: (من شرّ ما خلق) أو (من شرّ الوسواس الخنّاس) وهكذا، فعادةً الإنسان عندما يعوذ لابُدّ أن يعوذ ويتعوّذ من شيءٍ سيّئ وهذا هو الوضع الطبيعيّ، في بعض الحالات –التفتوا- هذه مسألة في غاية النعومة عندما تدخل لنا لأنّنا قد لا نشعر بها لكن بعض الأدعية تنبّه الى ذلك، في بعض الحالات تكون الحالة التي نحن فيها ظاهرها حسن مثل الصلاة، لا شكّ أنّ الصلاة فعلٌ من الأفعال المرغوبة والمحبوبة الى الله وقد أمرنا بها، وجعلت ميزان الأعمال إن قُبلت قُبل ما سواها، أو الدعاء هو أن يقف الإنسان بين يدي الله تعالى يدعوه، والحديث كما مرّ (المؤمن دعّاء) أي كثير الدعاء، لا شكّ أنّ هذا مطلب يحبّه الله تبارك وتعالى فهل من الممكن أن نتعوّذ من الصلاة؟!! التفتوا إخواني نحن نستعين ونعوذ بالصلاة نعوذ بها يعني نتمسّك بها أن تحمينا من المنكر مثلاً، كما ورد في القرآن الكريم: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ) و(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) فنحن نستعيذ ونستعين بالصلاة من سوء الأفعال، لكن هل يُمكن أن تصل الحالة أن نستعيذ ليس بالصلاة بل نستعيذ من الصلاة؟ يعني هل يُمكن أن أقول: اللهمّ إنّي أعوذ بك من صلاتي؟!! هل يُمكن أن أقول: اللهمّ إنّي أعوذ بك من دعائي أو لا يمكن؟؟!! أعتقد أنّ المطلب أصبح واضحاً في مقام التوبة، هذه أشياء مندوبة الشارع أرادها لنا كيف تتحوّل الى حالة من الاستعاذة -والعياذ بالله-، التوبة فعل وإنّ الله يحبّ التوّابين فإذن نستعيذ بالتوبة من سيّئات الأفعال، فالصلاة والدعاء والتوبة من الأمور المرغوبة للشارع المقدّس، لابُدّ أن نصلّي لابُدّ أن ندعو لابُدّ أن نتوب، ورد في الآية الكريمة: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) الدعاء مطلوب، (أقم الصّلاة) (إنّ الله يحبّ التوّابين) هذه أشياء مطلوبة، المقصد واضح لكن الله تبارك وتعالى يريد منّا -ما دمنا في هذه الدنيا- أن نتوجّه له بكلّيّتنا وبكلّ ما نحمل، ولذلك تقرأ في بعض الأدعية (اللهمّ إنّي أعوذ بك من صلاةٍ ..، اللهم إنّي أعوذ بك من دعاءٍ..) حقيقةً الإنسان يستغرب لماذا هذه الاستعاذة؟!! الدعاء يُكمل (إنّي أعوذ بك من صلاةٍ لا تُرفع، أعوذ بك من دعاءٍ لا يُسمع، أعوذ بك من قلبٍ لا يخشع..) لاحظوا الحالة كيف تطوّرت، أصبح الإنسان يحتاج الى تعلّق بالله أكثر، لماذا؟ لاحظوا هذا المثال إخواني، النفس الآن اتّسخت بالذنوب وعندي ثوبٌ متّسخ، الثوب الآن أمامي وسخ والنفس أيضاً تلوّثت بالذنوب، فهذا الثوب الملوّث وهذه النفس الملوّثة هل يكفي في غسل الثوب أو في تنظيف الثوب لإخراجه ممّا علق به هل يكفي أن أقول غسلت الثوب والثوب لم يغسل؟ هل يكفي هذا في نقاء الثوب؟ الجواب وجدانيّاً كلّا، هل يكفي أن أقول: إنّي تبت في تحقيق التوبة؟ الجواب كلّا، وهذان مثالان واضحان في التلويث الظاهري وفي التلويث الباطني، هذا الاختلاف وليس الاختلاف في شيء آخر، فإذا قلت غسلت الثوب وأنا لم أغسله ما قيمة هذا القول؟ قطعاً لا قيمة له، الإمام السجاد(عليه السلام) أكمل العبارة حتى تتّضح كلماته(سلام الله عليه) فيما نحن نريد أن نقول –لاحظوا- قال: (أَللّهُمَّ أَيُّمَا عَبْدٍ تَابَ إِلَيْكَ وَهُوَ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ فَاسِخٌ لِتَوْبَتِهِ...) يعني التوبة لم تكن صادقة ولم تكن حقيقية، ربّما لم يكن له عزم على أن تستمرّ هذه التوبة (..وَعَائِدٌ فِي ذَنْبِهِ وَخَطِيْئَتِهِ...) أيضاً يعود في هذا الذنب والخطيئة -لاحظ- (..فَإِنِّي أَعوُذُ بِكَ أَنْ أَكُونَ كَذٰلِكَ)، إذن التوبة مع الفسخ التوبة مع نيّة العودة هذه ليست توبة، نحن قلنا نعم.. الإنسان عندما يتوب لابُدّ أن يقطع بداخله أنّه لا يعود، ثم إذا وقع في ذنبٍ آخر لم يكن قاصداً أن يقع فيه لكنّه وقع اتّفاقاً نعم.. يحتاج أن يتوب، وهذا مطلبٌ آخر فلا تشتبه علينا الحالتان، الإنسان تارةً يتوب وهو فعلاً قاصدٌ التوبة لكن ابتُلي بذنبٍ بعد التوبة بيوم بيومين بسنة فعليه أن يعود وهذا غير مشمول، تارةً الإنسان يفسخ التوبة وهو عندما تاب كأنّه ندم على التوبة يقول لماذا تبت فلأرجع الى الذنب، لو فرضنا هذا قطعاً هذه التوبة جرأة على الله وليست توبة، فلذلك تستحقّ أن يتعوّذ منها الإمام(سلام الله عليه)، هذه كما قلنا غسلت الثوب والثوب لم يُغسل.
إخواني التوبة واجبة وعدم الوقوع في الذنب أفضل من التوبة، إذا وطّن الإنسان نفسه على أن لا يُذنب يوفّق بمقدارٍ ما ويحميه الله تبارك وتعالى، فإذا أصابه زيغٌ أصابته هنةٌ من هنا أو هناك أيضاً يفزع الى التوبة، بل الإنسان المؤمن كلّما تذكّر التوبة تذكّر الذنب فيحاول أن يجدّد التوبة مع الله تعالى، الإمام السجّاد يريد أن ينبّهنا الى مسألة في غاية الأهمّية هي أنّه أنا لا أكتفي بلقلقة اللّسان في التوبة، وإنّما لابُدّ أن يكون هناك عزم وصدق إرادة ونيّة طيّبة بحيث لا أكون من الذين يفسخون هذه التوبة، قال: (فَإِنِّي أَعوُذُ بِكَ أَنْ أَكُونَ كَذٰلِكَ) هذا المطلب انتهى، ما هو المطلوب من الإمام(عليه السلام) قال: (فَٱجْعَلْ تَوْبَتِي هٰذِهِ تَوْبَةً لاَ أَحْتَاجُ بَعْدَهَا إِلَىٰ تَوْبَةٍ، تَوْبَةً مُوجِبَةً لِمَحْوِ مَا سَلَفَ، وَٱلسَّلاَمَةِ فِيمَا بَقِيَ) ما معنى: (فَٱجْعَلْ تَوْبَتِي هٰذِهِ تَوْبَةً لاَ أَحْتَاجُ بَعْدَهَا إِلَىٰ تَوْبَةٍ) حقيقةً الإصرار على عدم الذنب من التوفيقات، الإنسان يصرّ على عدم الذنب فيقول: أنا تبت وهذه التوبة لا أحتاج معها الى توبة، بمعنى أنّ الإنسان الآن يطلب، ماذا يطلب؟ يطلب الكمال. فطلبُ الكمال كما لو قلت: اللهم إنّي أسألك أن لا تجعلني في موضع سخطك، هذا موضع كمال، أو تقول: اللهم ارزقني توبةً لا أحتاج بعدها أو معها الى توبة، يعني أن لا أفعل ذنباً آخر أحتاج أن أتوب منه، وفّقني الى أن لا أحتاج الى توبةٍ أخرى بسبب فعل ذنبٍ، وهذه التوبة ماذا تكون؟ (مُوجِبَةً لِمَحْوِ مَا سَلَفَ، وَٱلسَّلاَمَةِ فِيمَا بَقِيَ)، طبعاً إخواني ما أحوجنا الى محو ما سلف، وتقدّم في حديثٍ آخر أنّ المحو له أكثر من صورة لكن تارةً الله تعالى لا يُسجّل الذنب، الإنسان عندما يذنب يلتفت فوراً فيتوب الى الله تعالى فتُمحى أي لا تُسجّل، وتارةً تُسجّل لكن أيضاً يُوفّق الإنسان في وقتها بعد التسجيل أن يستغفر فالله تعالى يأمر الكتبة الحفظة أن يمحوها، قطعاً الحالة الأولى أفضل من الحالة الثانية وعدم الذنب أفضل منهما معاً، بالنتيجة هو عفو من الله تعالى لكن عفو على شيء لم يكتب وعفو على شيء كُتِب، وتارةً لا.. نحن مقصّرون مع الله تعالى دائماً الله تعالى يُعيننا على أنفسنا كما أعان الصالحين فيجنّبنا الوقوع في الذنوب، وأيضاً فيها سلامة لما بقي من أعمارنا هذه التوبة تمحو ما سبق وتُحافظ علينا فيما بقي، الإنسان دائماً يترصّد نفسه قبل أن يترصّد الآخرين، يترصّد نفسه أنّه إيّاك إيّاك أن تذنب، قطعاً الإنسان إذا حاسب نفسه بهذه الطريقة تقلّ ذنوبه أو تُعَدّ والعصمة لأهلها.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ علينا وعليكم بتوبةٍ نصوحة، وأن يتجاوز عنّا سيّئات أعمالنا ويرزقنا العصمة في القول والعمل، ويدفع عنّا وعنكم كلّ سوء، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآل بيته الطيّبين الطاهرين.
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق